إنفراد – مريم ناصر
تبدل معنى «بريق الذهب» في أعين المصريين، فلم يعد رمزًا «للثراء أو الزينة»، بل أصبح انعكاسًا لحالة «القلق التي تسيطر على الشارع» مع تصاعد موجات الغلاء وتراجع القوة الشرائية للجنيه، واتجه كثيرون إلى المعدن الأصفر بحثًا عن طمأنينة مفقودة، يرون فيها أمانًا نفسيًا قبل أن تكون وسيلة ادخار مالية، بعدما فقدت العملة المحلية جزءًا من ثقتهم.
وتحولت الظاهرة خلال الفترات الأخيرة إلى ما يشبه «الهوس الجماعي»، إذ اندفع المواطنون نحو الشراء دون تخطيط أو دراسة، مدفوعين بالخوف من المستقبل أكثر من رغبتهم في الاستثمار، وبين من يلاحق الأسعار في سباقٍ مع الزمن ومن يشتري «ليطمئن قلبه»، ويظل السؤال قائمًا: «هل ما يحدث استثمار واعٍ، أم هلع مالي يتخفى في بريق الذهب».
من الادخار إلى الهوس.. حين قاد الخوف المصريين إلى فخ الذهب
تغير سلوك المصريين تجاه الذهب بشكل غير مسبوق في ظل موجات الغلاء المتتالية وتراجع قيمة الجنيه، فبعد أن كان «المعدن الأصفر» وسيلة هادئة للادخار أو زينة تشترى في المناسبات، أصبح اليوم ملاذًا نفسيًا يلوذ به الناس خوفًا من المجهول، وتحول الإقبال عليه من تصرف اقتصادي مدروس إلى رد فعل حول المستقبل المالي.
وشهدت حركة التجارة في الأسواق ارتفاعًا كبيرًا في الفترة الأخيرة، حتى من فئات لم تكن تهتم بالذهب من قبل، فهناك من يشتري سبائك صغيرة، وآخرون يجمعون الجرامات المتاحة «ليحافظوا على القيمة» كما يعتقدون، بينما يرى البعض أن هذا الاندفاع غير منطقي، وأطلقوا على هذا بما يسمى بـ «فقاعة الذهب» في السوق المحلي.
الدكتور خالد الشافعي: الذهب وسيلة الادخار الآمنة التي لم تفقد قيمتها وبريقها
أكد الدكتور “خالد الشافعي” الخبير الاقتصادي ورئيس مركز العاصمة للدراسات والأبحاث الاقتصادية، في البداية أن الحقيقة الواضحة في ظل انتشار «ظاهرة الهوس بشراء الذهب» عقب موجات الغلاء الأخيرة، هي أن الذهب أفضل وسيلة آمنة للادخار كما كان في السابق وأكثر، وهذا هو الذي يدفع الكثيرين إلى الشراء بدافع الحفاظ على قيمة النقود، وبدافع المنطق الاقتصادي.

الدكتور خالد الشافعي” الخبير الاقتصادي ورئيس مركز العاصمة للدراسات والأبحاث الاقتصادية
وأوضح الدكتور “خالد” أن «الذهب ما زال حتى اليوم يعد الملاذ الآمن» للحفاظ على قيمة النقود في كل الأزمنة، والعصور، وسيظل كذلك دائمًا، وإن سئل لأكثر من مرة عن أفضل وسيلة آمنة للادخار أو الاستثمار في ظل الظروف الراهنة التي يشهدها العالم من «تغيرات جيوسياسية» كثيرة مليئة بالتوترات، فسيؤكد أن «الذهب هو الخيار الأفضل بلا منازع».
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن العالم سيشهد خلال الفترات القادمة أن الذهب سيبقى الملاذ الآمن، سواء وصل سعره إلى «خمسة آلاف، أو ستة آلاف، أو حتى سبعة آلاف»، لأنه في الأصل هو الأكثر استقرارًا، فالذهب لا يرتفع في مصر فقط، بل يرتفع نتيجة زيادة السعر عالميًا، شأنه شأن أي سلعة تباع وتشترى، تخضع لعلاقة العرض والطلب.
«فكلما زاد الطلب وقل العرض ارتفع السعر»، و«كلما زاد العرض وقل الطلب انخفض السعر»، ومع ذلك فإن الذهب يتميز بخصوصية فريدة، إذ إننا عبر العصور لا نرى أنه ارتفع ثم عاد وانخفض مجددًا إلا في حالات قليلة جدًا أو نادرة، مما يجعله يحتفظ بقيمته، ويثبت مكانته كوسيلة مضمونة، وآمنة للادخار.
وأشاد الدكتور “خالد” أن الذهب هو الوسيلة الآمنة للإدخار على مستوى العالم بأسره، وليس في مصر فقط، إذ نرى أن البنوك المركزية في مختلف الدول بدأت تتجه إلى زيادة احتياطياتها من الذهب، وتغيير مكوناتها النقدية لصالح المعدن النفيس، إدراكًا منها لأهميته في مواجهة تقلبات الأسواق العالمية.
وأضاف “الشافعي” أن العديد من الحكومات حول العالم شرعت بالفعل في شراء كميات كبيرة من الذهب، وهو أمر طبيعي في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، وبالتالي فمن الطبيعي أيضًا أن يتجه الأفراد إلى السلوك ذاته حفاظًا على مدخراتهم من تآكل القيمة الشرائية للنقود.
المعدن الأصفر.. الملاذ الآمن الذي لا يبهت بريقه مهما تغيرت الظروف
واختتم الدكتور “خالد الشافعي” حديثه مؤكدًا أن «الذهب يظل أفضل وسيلة للحفاظ على قيمة النقود»، متفوقًا على العقارات والشهادات وأي وسيلة استثمارية أخرى، خاصة لمن يمتلك فائضًا من المال، ولا يحتاج إلى عائد شهري ثابت.
ولكل من يسعى إلى حفظ قيمة أمواله، لا يوجد خيار أفضل من الذهب، سواء على المدى القريب أو البعيد، فهو المعدن الذي لا يفقد بريقه مهما تغيرت الظروف، وسيبقى دائمًا الوسيلة الآمنة التي تلمع في الأفق، حافظة لقيمة النقود عبر الزمان.
وبالنهاية مع تصاعد الأزمات الاقتصادية يظل الذهب في نظر كثيرين «طوق نجاة» يحميهم من الغرق في موجات الغلاء المتلاحقة، لكنه في الوقت نفسه أصبح مرآة تعكس حالة القلق التي يعيشها الشارع المصري، وبين من يشتريه كوسيلة لحفظ القيمة، ومن يلاحقه كرمز للأمان المفقود.
ورغم أن الخبراء يؤكدون أن «الذهب سيبقى الملاذ الآمن والأفضل في مواجهة الأزمات»، إلا أن الإفراط في التعلق به دون وعي أو دراسة قد يحول هذا «الملاذ الآمن» إلى فخ جديد، يدفع البعض إلى قرارات غير مدروسة بدقة ومحسوبية.






