إنفراد – نسمة هاني
في زمن تسابق فيه التكنولوجيا تطلعات البشر، لم تعد الوسائل التقليدية للغش كافية لدى بعض الطلاب، فظهرت أدوات دقيقة وحديثة تخترق الأذن وتستقر في عمقها، دون أن يلاحظها أحد،
من بين هذه الأدوات، برزت سماعات “النانو”، وهي سماعات صغيرة جدًا تُخبّأ داخل الأذن لتلقي الإجابات أثناء الامتحانات، وبقدر ما تبدو سهلة وسريعة، إلا أنها تخفي خلف حجمها الصغير آثارًا صحية قد تكون كارثية، تتراوح بين التهابات الأذن، وفقدان السمع، وحتى التدخل الجراحي.
بين الإخفاء والاستغاثة.. الواقع بالأرقام
بحسب بيانات وتقارير صحية غير رسمية، فقد تم تسجيل عشرات الحالات خلال السنوات الأخيرة، في مستشفيات جامعية بمحافظات مختلفة، تم فيها استخراج سماعات دقيقة من آذان طلاب بعد انتهاء الامتحانات، بعضها استدعى تدخلاً جراحيًا فوريًا، مما يشير إلى حجم المشكلة المتزايد بصمت.
كيف تصل هذه السماعات إلى أيدي الطلاب
تُباع سماعات النانو عبر مواقع إلكترونية وصفحات غير مرخّصة على وسائل التواصل الاجتماعي، ويصل سعرها في بعض الأحيان إلى أكثر من ألف جنيه، وتُسوّق للطلاب على أنها آمنة وغير قابلة للاكتشاف، مما يغري بعضهم بشرائها، دون إدراك حجم الضرر الذي قد يلحق بهم جراء استخدامها.
رغم صغر حجمها وصعوبة اكتشافها، فإن سماعات النانو قد تتحول إلى مصدر خطر حقيقي على صحة الطلاب، فهي تدخل عميقًا داخل قناة الأذن، مما يجعل إخراجها عملية معقدة، خاصة إذا تحركت باتجاه طبلة الأذن أو التصقت بها.
وغالبًا ما تُصنع هذه السماعات من مواد غير آمنة أو مجهولة المصدر، ولا تخضع لأي رقابة صحية أو مواصفات قياسية، ما يزيد من احتمالية حدوث التهابات أو تلف في الأنسجة الداخلية للأذن.
كما أن استخدامها لفترات طويلة داخل الأذن يؤدي إلى انقطاع التهوية الطبيعية للقناة السمعية، وهو ما يهيّئ بيئة مناسبة لتكوّن البكتيريا والعدوى الفطرية.
ولا يتوقف الخطر عند هذا الحد، بل إن بعض الحالات المسجلة استدعت تدخلاً طبيًا عاجلاً لاستخراج السماعة، وفي حالات نادرة، تسبب الأمر في فقدان السمع جزئيًا.
رأي طبي يحذّر.. فقدان سمع دائم وعمليات جراحية طارئة
حذر الدكتور صالح عجوة، من خطورة هذه السماعات على صحة الأذن، موضحًا أنها تُصمّم لتدخل بعمق داخل القناة السمعية، مما يجعلها قريبة جدًا من طبلة الأذن، ومعظمها مصنوع من مواد غير معقمة ورديئة الجودة.
وقال “الدكتور صالح “: إن الخطر لا يقتصر فقط على التهابات سطحية، بل إن بعض الحالات قد تُصاب بـ ثقب في طبلة الأذن أو فقدان سمع دائم، خاصة إذا تم استخدام السماعة لفترات طويلة أو بمحاولات إزالة خاطئة.
وأشار إلى أن من بين الحالات التي تابعها في عيادته، طلاب حضروا بعد انتهاء الامتحانات يعانون من آلام شديدة وطنين مستمر والتهابات في القناة السمعية.
وأوضح أن الاستخدام المتكرر لهذه السماعات، خصوصًا مع رفع الصوت أو تثبيتها مغناطيسيًا، قد يؤدي إلى: ضعف سمع تدريجي، طنين مزمن، التهابات بكتيرية وفطرية، وفي بعض الحالات النادرة، جراحة لاستخراج السماعة من عمق الأذن.
وشدد على ضرورة توعية الطلاب وأولياء الأمور، مؤكدًا أن “الغش يمكن تعويضه، لكن السمع إذا فُقد فلا عودة منه”، ونصح بعدم إدخال أي جسم غريب داخل الأذن مهما كانت الأسباب، واللجوء الفوري للطبيب عند الشعور بأي أعراض غير طبيعية.
بين الرصد والعقوبة.. التعليم يلاحق المتورطين
في السنوات الأخيرة كثّفت وزارة التربية والتعليم من جهودها لرصد وسائل الغش الإلكترونية، وعلى رأسها سماعات النانو، حيث تم تزويد بعض لجان الامتحانات بأجهزة كشف إلكترونية قادرة على رصد الإشارات اللاسلكية، إلى جانب تدريب المراقبين على اكتشاف هذه الوسائل الحديثة والتعامل معها بحسم.
كما أصدرت الوزارة تعليمات مشددة بمنع دخول أي أجهزة غير مصرح بها، والتفتيش الدقيق للطلاب قبل دخول اللجان، ورغم ذلك، لا تزال هذه الوسائل تتطور بشكل يصعب أحيانًا اكتشافه، مما يستدعي تعاونًا أكبر بين الأسرة والمدرسة والجهات الأمنية، لردع استخدام هذه الأدوات التي تهدد مستقبل الطلاب وصحتهم.
توعية قبل أن يُصبح العلاج مستحيلًا
ما يبدو حلًا سريعًا للغش قد ينقلب إلى أزمة صحية طويلة الأمد، سماعات النانو لم تعد مجرد وسيلة غير قانونية في الامتحانات، بل أصبحت خطرًا خفيًا يهدد سلامة طلاب في عمر الزهور، ويحتاج الأمر إلى وعي حقيقي بخطورة ما يحدث، قبل أن يصبح العلاج مستحيلًا.
وفي ظل الجهود المبذولة لتأمين لجان الامتحانات، تظل التوعية الأسرية والمدرسية هي خط الدفاع الأول لحماية الطلاب من مثل هذه الممارسات، فالغش يمكن تعويضه، أما فقدان السمع فلا عودة منه.
وفي نهاية المطاف تتجاوز خطورة سماعات النانو مجرد كونها وسيلة غش، لتتحول إلى قنبلة موقوتة داخل أذن الطالب، قد تنفجر في أي لحظة، مسببة أضرارًا لا تُعالج بسهولة، إن الرغبة في التفوق لا يجب أن تمر عبر طرق ملتوية، خاصة إذا كانت تكلف الإنسان أغلى ما يملك صحته، ومع تصاعد التحذيرات وتكرار الحوادث، فإن الدور الأكبر يقع على عاتق المجتمع بكل أطرافه، من الأسرة إلى المدرسة إلى الإعلام، لتوعية الطلاب بمخاطر هذا النوع من الغش، وتشجيعهم على الاعتماد على النفس والسعي الشريف نحو النجاح، والنجاح الحقيقي لا يأتي من الأذن، بل من العقل والاجتهاد.