إنفراد – مريم ناصر
أصبح تحقيق الاكتفاء الذاتي في الصناعات الدفاعية هدفًا استراتيجيًا، في ظل تصاعد التحديات الأمنية والتغيرات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، حيث شدد الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” خلال مؤتمر “القمة العربية الإسلامية” بالدوحة أن تطوير الصناعات الدفاعية، ليس فقط لتعزيز الأمن الداخلي، وإنما لضمان قدرة الدول على حماية مصالحها في مواجهة التهديدات الخارجية.
ويبرز تطوير الصناعات العسكرية اليوم كخيار استراتيجي يمنح الدول استقلالية القرار الدفاعي، وتوازنًا أوضح في علاقاتها الدولية، فكلما توسعت القدرات المحلية في تصنيع السلاح، تراجعت التبعية للموردين الخارجيين، وتعززت قدرة الدولة على رسم سياساتها الأمنية بعيدًا عن الضغوط، أو القيود التي تفرضها القوى الكبرى.
وبينما تسعى مصر إلى تعزيز قدراتها الدفاعية والتصنيعية محليًا، تواجه دول الخليج تحديات معقدة، بسبب وجود قواعد أمريكية على أراضيها واعتماد طويل الأمد على السلاح الخارجي، وهذا الواقع يدفع هذه الدول إلى استكشاف شراكات دفاعية إقليمية، وتطوير صناعاتها العسكرية، لضمان استقرار مصالحها الحيوية في المنطقة.
الدكتورة إيمان زهران: مصر والخليج بين الاكتفاء الذاتي والدبلوماسية الدفاعية
أكدت الدكتورة إيمان زهران دكتور العلوم السياسية، عن الصناعات العسكرية في الشرق الأوسط، أن الهدف الأساسي من تطوير هذه الصناعات هو تحقيق الاكتفاء الذاتي من المعدات العسكرية، بما يمكن الدول من تعزيز سيادتها، موضحة أن هذا التوجه يعكس رغبة الدول في تقليل اعتمادها على الإمدادات العسكرية الخارجية.

الدكتورة إيمان زهران دكتور العلوم السياسية
أثبتت الدكتورة إيمان زهران أن مصر تتصدر المقدمة الأولى في منطقة الشرق الأوسط في الاهتمام بتطوير قطاع الصناعات الدفاعية، وهو ما يتضح من النسخ المتتالية لمعرض “إيدكس”، الذي أصبح منصة هامة، لتعزيز “الدبلوماسية الدفاعية” المصرية، وعرض قدرات التصنيع العسكري المحلي.
وأوضحت دكتور العلوم السياسية أن بالنسبة لدول الخليج أصبح الوضع أكثر تعقيدًا وأن له إشكالية خاصة، إذ تتجاوز الإشكالية مجرد الرغبة في تقليل الاعتماد على السلاح الأمريكي، نظرًا لوجود تمركزات القواعد العسكرية الأمريكية في معظم دول منطقة الخليج، مما يفرض تحديات كبيرة أمام تحقيق الاكتفاء الذاتي الدفاعي بشكل متكامل.
أشارت الدكتورة إيمان إلى أن بعض الدول الخليجية اندفعت إلى إبرام اتفاقات دفاعية مع كيانات إقليمية أخرى، بما يتماشى مع حالة الزخم في التفاعلات الصراعية بالمنطقة، ومن أبرز هذه الاتفاقات الاتفاق الدفاعي بين “السعودية وباكستان”، الذي يعكس استراتيجية تعزيز الصناعات الدفاعية، وتبادل الخبرات العسكرية.
وأشادت “زهران” أن مصر ركزت على تطوير صناعاتها الدفاعية بشكل مكثف بعد ثورة 30 يونيو، تلبية للمتغيرات الحيوية، واحتياجات الأجهزة الأمنية في تنفيذ عملياتها ومهامها القتالية المختلفة، خاصة في مواجهة التهديدات الأمنية “الغير المتماثلة”، التي تتراوح بين الجماعات الإرهابية والمتطرفة.
وأشارت دكتور العلوم السياسية على أن التهديدات الإسرائيلية تتجاوز نطاق الأراضي الفلسطينية، وقطاع غزة، وتزداد خطورتها عبر التحركات المدعومة أمريكيًا، والتي تتعلق بمزاعم “الشرق الأوسط الجديد”، ما جعل تطوير الصناعات الدفاعية ضرورة استراتيجية لمصر وللمنطقة، لضمان قدرة الدول على حماية سيادتها، ومواجهة التهديدات المتعددة المصادر.
في النهاية، تكشف تجربة مصر ودول الخليج أن الصناعات العسكرية لم تعد رفاهية، بل ضرورة استراتيجية لفرض السيادة وحماية المصالح، وإذا كانت القاهرة قد قطعت شوطًا كبيرًا في هذا القرار، فإن دول الخليج تعمل على إيجاد توازن بين الاعتماد على القوى الكبرى، وبناء قدراتها الذاتية، وهو ما يجعل الاكتفاء الذاتي والدبلوماسية الدفاعية مسارين متلازمين، لرسم مستقبل أكثر استقرارًا.