تحقيق – سحر هجام وآلاء هشام
كنا نقول في الماضي أننا في زمن محاط بالجهل والإعتقادات الخاطئة، وذلك لعدم الأهتمام بالتعليم والعقول المنغلقة حول فكرة معينة، ولكن الآن ما هو المانع في التغير والإنفتاح والإبتعاد عن التخلف والجهل، برغم كل التطور والتقدم الذي نعيش فيه، فللأسف مازلنا نفكر كما كنا من قبل.
شبح العنوسة يطارد الأهالي
ما العلاقة بين السحر والدجل والشعوذة وتأخر الزواج بين البنات، هذا الإعتقاد الخاطئ يشيع وينتشر كثيرًا بين الفتيات اللذين لم يحين الوقت لزواجهن بعد، ولكن بعض الأمهات لا يتزين ويتحلين بالصبر الجميل، فيقول الله تعالى في كتابه العزيز《إِنَّمَا يُوَفَّى اٌلصَّبِرُونَ أَجرَهُم بِغَيرِ حِسَابٍ》[الزمر: 10]، وقال سبحانه وتعالى 《وعسى أن تكرهواْ شيئًا وهو خيرُُ لكم وعسى أن تحبواْ شيئًا وهو شرًا لكم》، كنا نقول أن الأب أو بمعنى أوضح أن الرجل لا يؤمن بهذه الخزعبلات ولكن للأسف في بعض الأحيان يكون صاحب فكرة اللجوء إلى هذا الفكر الخاطئ.
آراء بعض الأمهات والآباء حول هذا الإعتقاد
تروي “أم سماح” أحد أمهات الضحايا في النصب والإحتيال، «في أول الأمر كان يأتي لها الشباب لخطبتها في سن الـ18، ولكن لعدم مناسبة العائلة أو الشخص ذاته لم يتم الزواج، ولكن عندما وصلت إلى سن الخامسة والعشرين لم يأتِ أحد لخطبتها فظنت أن أحد عمل لها عمل بوقف الحال فذهبت إلى دجالين كُثر، قالت ان أحدهم طلب منها أن تجلب له أتر أو شيء من ملابس ابنتها الداخلية واسم الشاب واسم والدته وديك ابيض موحد اللون، فقامت الأم المسكينة ببيع الماشية التي هي مكسبها الوحيد، راجية أن تحل مشكلة ابنتها ولكن الأم المسكينة باعت كل ما تملكه ولكن للأسف لم يحصل أي شيء».
في حين “أم هدى” «تقول بناتي الثلاثة وعمرهم يتفاوت بين الـ26 و23 و20 لم يأتِ أحد لخطبتهم، فراودتها أفكار خاطئة أن تذهب إلى دجالين أو مشعوذين، ولكن هذه المرأة المتدينة لم تقع ضحية لهذه الأفكار، فقالت والله كنت أقوم بتشغيل الرقية الشرعية وقراءة صورة البقرة والأذكار بشكل مستمر والصلاة في أوقاتها، وبالإلتزام بهذه الأمور تزوجت ابنتها الكبيرة برجل محترم وعائلة طيبة، والأخت الوسطى تمت خطبتها».
وأضافت “أم ندى” «أن لها بنت جاء الكثير لخطبتها، ولكن بسبب بعض الأمور أيضًا لم يتم الزواج ولكن وصلت إلى سن معين لم يأت لها أحد أو كان يأت البعض ولكن لا يعود، فلجاءت إلى المشعوذين فطلب أحدهم مبلغ من المال، وقامت الأم بالدفع ولكن دون جدوى».
وتسرد “أم علي” قصتها «أنها ذهبت إلى أحد الدجالين فقال لها أن ابنتك قام أحد الأشخاص بعمل لها عمل فإذا أتى شخص لخطبتها أو ليراها ذهب بدون عودة، فذلك لأنه يراها قرد أو هي تراه شخص ذو شكل مرعب، فطلب منها بعض الأمور لتنفذها وقامت بالفعل بتنفيذها ولكن بدون نفع».
كما قالت “أم علياء” «أنها جاءت إليها واحدة تدعي أنها تعرف الغيب وأثبتت لها بعض الأمور لكي تصدقها وطلبت منها أن تأتي بملابس سوداء، شرط أن تكون جديدة وكولمن ماء يكون جديد ومبلغ من المال وشمع، وقامت بوضع كل هذه الأشياء داخل الأخرى وأخذتهم وقالت لهم سادفنها فالمقابر، فاجابتها أحد الجالسين دعيني انا من يدفنها قالت لها لن تستطيعي فعل هذا لأنني سأقول بعض الأشياء عليها، فأجابتها “هسجلك الل انتِ هتقوليه” قالت لها “مش هتعرفي”، وفي النهاية أخذت الأشياء بلا رجعه، ولم يحدث أي شيء».
كما تحدثت “أم عفاف” «أنها لجأت إلى أحد الدجالين وقالت لها أن ابنتكِ قام أقرب الأشخاص لديكي بعمل عمل لها بوقف الحال، فطلبت منها مبلغ من المال وبعض الأمور، ولكن دون جدوى».
والمدهش في الأمر أن رجل يدعى “س.م” يؤمن بهذه الخزعبلات ويقول أن ابنتي قام أحدهم بعمل لها عمل ويذهب إلى دجالين ومشعوذين.
ولكن هناك بعض الأشخاص لا يؤمنون بهذه الأمور فقالت “أم سعاد” اللجوء إلى هذه الأمور هو جهل بالدين وعدم معرفتهم الكافية بالإيمان بكل شيء كتبه الله لهم.
آراء رجال الدين حول هذه الأمور
فقال الشيخ “عبدالعاطي” «أمور الدجل والشعوذة كلها حرام، عن النبي ﷺ قال “من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما”، وعن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال “من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ” رواه أبو داود».
هل السحر يعطل الزواج، سؤال عرضه الدكتور مبروك عطية، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، مجيبًا على هذا الأمر، قائلًا إن 90% من الأمة الإسلامية يعتقد أن السحر يعطل الزواج.
وقال “أستاذ الشريعة” أن خلاصة القول في هذا الأمر، بأنه بعد نزول المعوذتين ما عاد سحر ولا أعمال ولا أي شيء يصيب الإنسان، مستشهدًا في ذلك بحديث النبي الذي قال فيه “أنزلت على الليلة سورتان ما أنزلت علي نبي قبلي قل أعوذ برب الناس، وقل أعوذ برب الفلق”.
الموضوع من وجهة نظر الطب النفسي
قالت الدكتورة “داليا سليمان” أخصائي الطب النفسي عن ظاهرة الطب النفسي أو لجوء الأهالي سواء الآباء والأمهات بصفة عامة والأمهات بصفة خاصة للدجل والشعوذة في زواج بناتهم بصفة خاصة أو ابنائهم بصفة عامة “ذكور أو إناث”، من الظواهر المنتشرة جدًا في المجتمعات العربية.

الدكتورة “داليا سليمان” أخصائي الطب النفسي
وذلك يعود لأسباب نفسية وإجتماعية وثقافية وليس مشاكل نفسية فقط، ولكن من أهم أو أول الأسباب هي الضغط الإجتماعي، لأن في كثير من المجتمعات العربية وبالتأكيد المجتمع المصري، وبالتحديد المجتمع الريفي أو القرى أو أماكن صعيد مصر، يعتبر تأخر الزواج عبء كبير جدًا، فبالتالي يخشى الأهل من نظرة المجتمع ومن القيل والقال.
مما يؤدي إلى لجوءهم إلى أي وسيلة لتسريع الزواج، حتى وإن كانت وسيلة غير واقعية، وذلك لأنهم يقومون بعمل كل الوسائل الواقعية، كـ اللجوء إلى خطبة أو إلى سيدات قريبات من العائلة، في سبيل إيجاد زوج مناسب لبناتهم، ولكن يتخطوا كل هذه الأمور ويلجأون في كثير من الأحيان إلى الدجل والشعوذة.
كما أضافت “دكتورة الطب النفسي” أن ثاني شيء ألا وهي الخوف من العنوسة، لأن أهم الأسباب عند النساء في الزواج خصوصًا هو الإستقرار والأمان، فـ بالتأكيد تأخره يسبب قلق شديد للأهل، فيدفعهم أن يصدقوا أن أي وسيلة يقال أنها من الممكن أن تسهل في تعجيل الزواج، ويلجأوا بالتالي إلى الدجل والشعوذة وما شابه.
ومن ضمن الأسباب الإيمان بالخرفات، لأن هناك بعض الأسر تؤمن بأن السحر والشعوذة والدجل يعيق الزواج أو يأخره، فبالتالي يجعلهم يلجأوا إلى ذلك، لإزالة العوائق المزعومة لجلب النصيب.
اليأس بداية طريق العنوسة
كما يوجد من ضمن الأسباب اليأس وفقد الأمل، بسبب الإقتراب من سن العنوسة، فإنهم برغم محاولتهم في تزويج بناتهم بالطرق التقليدية ولكن كل هذه المحاولات باتت بالفشل، فيؤدي ذلك لإلتماس طرق خاطئة وغير منطقية.
بالإضافة إلى ضعف الوعي الديني والعلمي من الأسباب الهامة، وغالبًا تسود في المجتمعات الضعيفة علميًا وأيضًا يوجد بعض الحالات القليلة في العائلة الغنية، والتي على قدر من الوعي، تلجأ إلى تلك الطرق الغير منطقية ويرجع ذلك لضعف الوعي الديني، برغم أن كل الأديان السماوية حرمت تلك الإعتقادات الخاطئة، وأحيانًا كثيرة يعوا أنهم يستغلوا، ولكن من اليأس المسيطر عليهم والتعجيل في زواج أبناءهم قد يوافقم بأنهم قد طرقوا جميع الأبواب.
تأثير الأعمال الفنية على تلك المشكلة
كما أشارت “سليمان” إلى أن هذا الموضوع منتشر جدًا في الأفلام والمسلسلات، فبالتالي المجتمع يتأثر بالذي يراه ويشاهده، فالتأثر بالثقافة الشعبية من أفلام وموروث شعبي وغيره، يعزز الإعتقاد أنه من الممكن أن يكون هناك دجل أو سحر يفتح باب النصيب بالزواج أو تعطيله، كل هذا يؤثر على المشاهد.

أعمال السحر والدجل والشعوذة
هذه الظاهرة تعكس مخاوف مجتمعية وضغوط نفسية، أكثر من كونها مجرد إيمان بالسحر، كما قالت أن المشكلة ليست في الدجالين أو المشعوذين ولكن المشكلة في الناس التي تذهب أو تستعين أو تضع نفسها فريسة أو ضحية، لإستغلال الدجال أو المشعوذ، إذًا المشكلة لا تتلخص في السحر أو الشعوذة ولكن تتلخص في محاولة تغيير هذا الفكر الخاطئ للزواج، زيادة الوعي المجتمعي وإدراك أن الزواج رزق يأتي بوقته، فلابد أن نتحلى بالصبر وانتظار الوقت المناسب ونجد وسائل واقعية وليست وسائل غير واقعية.
كما قالت أن الذهاب إلى تلك الأماكن لها الأثر ويرتاح ضميرهم أنهم دقوا كل سبل السعي، فبالتأكيد له أثر إيجابي لبعض الوقت وأنهم قاموا بعمل ما بوسعهم، ولكن سرعان ما يتحول ذلك إلى أثر سلبي ودون جدوى.
سن النضج وليس سن العنوسة
كما أكدت أن النظرة المجتمعية في حد ذاتها هي التي تدفعهم إلى ذلك، بمجرد أن تطلق عليهم كلمة عانس على الفتاة التي بلغت سن الـ30 أو 35 سنة، كما قالت أن البنت التي تمتلك الوعي الكافي تبدأ في التفكير في الزواج الجدي بدايةً من سن الـ30 سن النضج.
النظرة المجتمعية للبنت التي تأخرت في الزواج، قد يكون بها عيوب أو قد يكون أشياء تخص الأخلاق أو يوجد بها سبب معين ينفر أو يبعد الزواج عنها.
عزوف الشباب عن الزواج، هي البطالة أو قلة الدخل المادي وعدم تحمل المسؤولية، أو عدم تأهل الشباب للزواج وتحمل أعباؤه، نظرًا لتربيتهم داخل أسرة لم تجعلهم يعتادوا ماذا تعنية القوامة، أو معنى رجل ومسؤولية.
الخوف من المسئولية أول أسباب مشكلة الزواج
كما ظهر شىء في الآونة الأخيرة، ألا وهو عدم تحمل البنت مسؤولية إدارة منزلها، من طبخ وتربية الأطفال وتنظيف المنزل، وظهرت أحيانًا نغمة سائدة أن البنت غير مسؤولة عن إدارة المنزل، هم يستمدوا ذلك ويرجعوه للدين، ولكنهم يأخذوا الأمر بشكل ظاهري الذي يخصهم فقط، ولكن يوجد الكثير من الأمثلة التي طرحها لنا الدين في سنة رسول الله، أن زوجاته وابنته فاطمة كانت تخدم في بيوتهم، وأيضًا مطلوب من أزواجهن تحمل بعض المسؤوليات مع زوجاتهم، ولكن زوجاتهم عليهن العاتق الكبير في إدارة المنزل واللغة الجديدة السائدة حاليًا بين البنات، ذلك يؤدي إلى عزوف الشباب عن الزواج.
وبسؤال الدكتورة عن وجهة نظرها في مبدأ المساواة بين الراجل والمرأة أو مبدأ انا “زيي زيك”، هذا هو الذي يجعل الشاب يفكر أكثر من مرة في اختيار الزوجة المناسبة، فبالتالي هذا الذي يؤدي لتأخر الزواج، أجابت كلما بعدنا عن الفطرة السليمة للإنسان التي خلقها الله فيه، كلما ظهرت الأفكار والأمور المشوشة، بمعنى الرجل لو لم يعي دوره الحقيقي في موضوع الزواج وأنه مسؤول له القوامة بمعنى “القوامة المسؤولية وليس سي السيد”، أنه مسئول عن الزوجة والأولاد والمنزل، وكلما بعدت المرأة أو الزوجة عن فطرتها في أنها تدير شؤون المنزل وتساعد زوجها وتحترمه وتقدره وتقوم بمسؤوليتها كاملة، وأن تبعد الأفكار التي من وجهة نظرها صحيحة وهي ليس لها أي شيء من الصحة “زيي زيك أو أنت عليك تنضف البيت أو تربي الأولاد”، وفي ذلك يأتي دور الأسرة في أن تربي الإبن والإبنة على المسئولية المادية بقدر إستطاعته، وفي المقابل تربى الزوجة على إحترام زوجها وتقديره والإهتمام والإعتناء بأسرتها، هذا كله ما تقوله الفطرة لنا، فكلما بعدنا عن الفطرة كلما زادت المشاكل، ومن ضمنها عزوف الشباب عن الزواج.
كما قولنا ومازلنا نقول بأن الدجل والشعوذة عبارة عن خزعبلات، أعلم أن السحر قد جاء في القرآن الكريم ولكن نزلت سورتان على رسول الله وهما المعوذتين، فلم يصاب أحد بأي ضرر إلا بأمر الله، وفي الحديث الشريف قد ذكر أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروا الشخص لن يضروه إلا بأمر الله، ولو اجتمعت على أن ينفعوه بشئ لن ينفعوه إلا بشئ قد كتبه الله له.