تحقيق – سوزان الجمال
يعتبر زواج الأطفال والزواج القسري من أنتهاكات حقوق الإنسان، والممارسات الضارة التي تؤثر بشكل غير متناسب على النساء والفتيات على المستوي العالمي، وتمنعهن من العيش حياتهن بمنأًي عن أي شكل من أشكال العنف.
وعلى الرغم من القوانين المناهضة له، فلأ تزال هذه الممارسة الضارة وأسعة الإنتشار، قد يؤدي زواج الأطفال إلى المعاناة مدى الحياة، فالبنات اللواتي يتزوجن قبل بلوغهن سن الثامنة عشرة أقل إحتمالاً للإستمرار في المدرسة ويزيد إحتمال تعرضهن للعنف المنزلي.
أوضحت “سحر محمد” أم إلى أربع فتيات، أنه حريصة جدًا على تعليم بناته وتثقيفهما ليكونوا قادرين على تحمل المسؤولية، لأن زواج الأطفال والزواج القسري ويسلبانهن قدرتهنّ على إتخاذ القرارات بشأن حياتهن ويعطلان تعليمهن ويجعلانهن أكثر عرضة للعنف والتمييز وسوء المعاملة، ويمنعانهنّ من المشاركة بشكل كامل في المجالات الإقتصادية والسياسية والإجتماعية.
وقال “أشرف العربي”، أنه يري أن زواج الفتاة سترة ما دامت قادرة في أي سن كان، ولا يري أن العقوبات أمر سليم، ويرى من خلال تجربتة في الزواج بفتاة 16 عامًا أن الأمر لا يستحق تجريمة ومعاقبتة عليه.
أشار “محمد السيد”، إلى أنه يؤيد توقيع العقوبات على المتسببين في إنتشار ظاهرة زواج القاصرات لما لها من عواقب وخيمة على المجتمع، منوها عن إنتشارها بكثرة في الريف والقري، وتحديداً من أجل كسب الأموال وراء تلك الزيجات.
وتابع “أسامة العربي”، أنه مع فكرة القضاء على زواج الفتيات بسن مبكر، ويري العقوبات حل أمثل للتعامل مع الظاهرة، ويري أنها تؤثر سلباً على المجتمع ككل باعتبار الزواج مسألة تتطلب وعي ودراية كافية.
وأشارت “ناهد محمد”، أن زواج الأطفال بحمل وولادة مبكرة ومتكررة، غالبًا ما يؤدي إلى إرتفاع معدلات الأمراض والوفيات لدي الأمّهات وتخطّيها المتوسّط، وقد يحمل زواج الأطفال والزواج القسري النساء والفتيات، على محاولة الفرار من مجتمعاتهن المحلية أو الأنتحار من أجل تجنب الزواج أو الهروب منه.
طفل رضيع تحملة “طفلة” لم يشتد عودها بعد لتحمل مسئوليتة، تنظر له بعينين حزينتين لا تعرف ما يخبئة القدر لهما، وربما لا تدرك أصلاً كيف أصبحت أما مسئولة عنه بكل تفاصيلة في حين إنها بداخلها مازالت تري في نفسها طفلة لم تتخطي 16 عامًا.
قالت “أ.خ” مشهد البداية منذ عامين حينما كانت تلعب مع أقرانها بالمنزل، غير عابئة بأي شيء، لتستمع لصوت والدتها تطالبها بأن تأتي “عشان تزوقها” لتهيئتها لمقابلة “العريس” المنتظر، رجل في الخمسينات يجلس منتظرًا إياها ليفحصها جيدًا قبل إتمام “العقد” أو بمعني أدق “الصفقة”، وتتزوج وتنجب طفلها الأول لتعيش حياة مليئة بالمشكلات والبؤس تنتهي بعد عامين فقط بطلاقها وطردها من المنزل، هي ورضيعها وهي في سن الـ16.
هذه هي قصة “أ.خ” واحدة من آلاف القصص المؤلمة التى تمثل واقع أزمة زواج القاصرات في مجتمعنا، والذي يشارك فيه العديد من الأطراف والعوامل من أهل قرروا التفريط في بناتهن، وظروف إقتصادية صعبة لبعض الأسر، وجهل أحيانًا بمنطق أن الزواج في سن صغيرة هو “ستر” للفتاة، بصرف النظر عن ما قد يئول له هذا الستر إلى فضح وطرد وتدمير أسر بأكملها.
وأوضح الدكتور أحمد غنيم طبيب أمراض النساء والتوليد، قائلاً: “إن الفتاة التي تتزوج قبل بلوغ الـ18 عامًا تتعرض لمضاعفات صحية خطيرة خلال فترة الحمل والرضاعة وتربية الأطفال، ببساطة لأنها غير مؤهلة نفسيًا لتحمل مسئولية الأمومة، فضلًا عن كونها غير مؤهلة جسمانيًا لفكرة الزواج أيضًا”.
أضاف طبيب أمراض النساء والتوليد: “أن الفتاة التي تتزوج تحت سن 16 عامًا تتعرض لمضاعفات صحية، مثل تمزق المهبل عند ممارسة العلاقة الزوجية لأنها لم تكتمل جسديًا، بالإضافة إلى مشاكل صحية أثناء الولادة مثل نزيف أو التعرض لحالات تسمم الحمل قبل الولادة، وهذا يحدث بنسبة كبيرة للقاصرات، مشيرًا إلى أنه علميًا يجب أن تتزوج الفتاة عندما تبلغ العمر 18 عامًا.
وقال أحمد غنيم: “عرضت على حالة من زواج القاصرات لفتاة تبلغ من العمر 12 أو 13 عامًا تعاني من نزيف أثناء الولادة، وحاولنا إنقاذها في إحدي المستفيات لكن دون جدوي، حيث توفيت إثر نزيف حاد أثناء الولادة، ووقتها ما تم أكتشافة أن أهلها زوراً شهادة ميلاد لها بعمر 16 عامًا لإتمام الزواج، في حين أن سنها لم يتجاوز 13 عامًا”.
أكد الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي وأستاذ بكلية الطب جامعة عين شمس، أن زواج القاصرات منتشر في القري التي تقع بمحافظات الصعيد والأرياف، وأن أخطر أنواع زواج القاصرات هو الذي يأتي تحت بند زواج المتعة، بحيث يتم تزويج الفتيات من أثرياء كبار في السن مقابل إعطاء أهل الفتاة مبلغًا من المال.
أشار استشارى الصحة النفسية، إلى أن الأزمة الأساسية تتمثل في أن الفتاة في هذه المرحلة العمرية لم يكتمل نموها العقلي والجسدي، وبالتالي لاتكون مدركة طبيعة المرحلة مقبلة عليها، وهذا ما يتسبب في أضرار نفسية تحدث بعد فترة من الزواج.
أضاف الدكتور جمال فرويز، عادة ما تدرك الفتاة الحال الذي وصلت له عندما تقارن بين حالتها الإجتماعية وبين أقرانها ممن حققن أهدافاً إجتماعية، وحصلن على شهادات علمية ووظائف إجتماعية تصاب بخيبة أمل كما أنها معرضة للطلاق بعد فترة قصيرة من الزواج، وفي حالة أن يكون زواجها مؤقتاً مثل زواج المتعة يتم تطليقها وهي في سن المراهقة، وهو ما يكون أنعكاساتة النفسية أخطر بكثير.
وتابع “فرويز”، في حال طلاق الفتاة في سن المراهقة فإن ذلك يعني أنها لن تجد ما يشبع رغباتها الجنسية التي تعودت عليها في سن مبكرة، وهو ما ينذر لإصابتها بحالة من الشرة الجنسي التي تكون دافعاً أساسيا لها لممارسة العديد من العلاقات الجنسية بشكل عشوائي.
وسرد استشاري الصحة النفسية، قصة إحدي الحالات التي عالجها في هذا الإطار لفتاة تبلغ من العمر 14 عامًا، تزوجت من رجل ثري عجوز مقابل دفع مبلغ معين لوالدها، وبعد فترة قصيرة تم الطلاق ولم تجد الفتاة أحداً يشبع رغباتها الجنسية، فتحولت إلى ممارسة الرذيلة، وتعرضها للكثير من الحمل والسقوط المتكرر، كما أصبحت مصابة بالأمراض الجنسية الخطيرة وهى حاليًا تبلغ من العمر 22 عامًا وأصيبت بحالة أكتئاب.
وأكمل الدكتور جمال أخصائي الصحة النفسية، أن زواج القاصرات ينتج عنه أضراراً نفسية للفتاة، حيث إنها تتزوج وهي لم يكتمل نموها الفكري والنفسي والمعنوي، وبالتالي لم تكن مستعدة لتحمل مسئولية الزواج وتقديم كل الواجبات والحقوق الزوجية، ما ينتج عنه نشوب الخلافات الزوجية وإتهام الزوج لها دائمًا بالتقصير، ويزداد الأمر خطورة عند الإنجاب، وإلزامها بتربية طفل غير مؤهلة تمامًا لتربية، مؤكدًا أن تطور التأثير النفسي السلبي لكل ذلك قد يصل لحد الإصابة بالاكتئاب.
كما سرد أخصائى الصحة النفسية، إحدي حالات زواج القاصرات التي عرضت عليه خلال عملة، لفتاة أنتهي بها الحال للهروب من منزل زوجها، لافتًا إلى أنها كانت تبلغ من العمر 15 عامًا وتزوجت من شاب يبلغ من العمر 22 عامًا، ونتيجة عدم إكتمال نموها الجسدي والفكري، وأجهت العديد من الخلافات مع الزوج حتى أصيبت بحالة أكتئاب شديدة أنتهت بها للهروب من المنزل، وبحث عنها أهلها فترة طويلة لإعادتها مرة أخري وبدأت في الخضوع لجلسات علاج نفسي مكثف لحل الأزمة.
ويأتي مشروع القانون تماشيًا مع الإتفاقية الدولية لحقوق الطفل الصادرة 20 نوفمبر 1989، والمصادق عليها بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 260 لسنة 1990 بشأن الموافقة على إتفاقية حقوق الطفل والمتضمنة، أن الطفل هو كل إنسان لم يتجاوز 18 عامًا سنة ميلادية.
كما أن المادة 10 من الدستور تنص على أن الأسرة أساس المجتمع وقوامها الدين والأخلاق والوطنية، تحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها، ونصت المادة 80 من الدستور، على أن يعد طفلاً كل من لم يبلغ الثامنة عشر من عمرة وتعمل على تحقيق المصلحة الفضلي للطفل في الإجراءات التي تتخذ حيالة.
ولهذا فإن زواج الأطفال جريمة في حقهم تؤدي إلى أثار سلبية على المجتمع، لعدم إكتمال نموهم الصحي المناسب لتحمل تبعات الزواج لأن الطفل سواء كان ذكرا أم أنثي، في هذه المرحلة العمرية غير مؤهل من النواحي النفسية والثقافية والعقلية والجسدية، لكي يتحمل مسئولية تكوين أسرة وتربية أطفال، ويعد هذا إعتداء صارخًا على مرحلة الطفولة، وتدفع المشرع للتدخل لمنع هذه الممارسات الضارة على المجتمع وهو ما دعا إلى إقتراح مشروع القانون المرافق.
وينص مشروع القانون المقدم من الحكومة على، أنه لايجوز توثيق عقد الزواج لمن لم يبلغ ثماني عشرة سنة ميلادية، ولا يجوز التصادق على العقد المذكور.
كما أجاز لذوي الشأن أن يقدموا طلباً على عريضة إلى رئيس محكمة الأسرة، بصفتة قاضيًا للأمور الوقتية للإذن بتوثيق عقد زواج من لم تبلغ ثماني عشرة سنة فى الجرائم المنصوص عليها فى المواد أرقام “267”، و”268″، و”269″ من قانون العقوبات، بعد صدور حكم نهائي بالإدانة.
وأوجب مشروع القانون على المأذون أو الموثق المنتدب إخطار النيابة العامة، الواقع في دائرتها مقر عملة، بواقعات الزواج العرفي الذى يكون أحد طرفية طفلاً لم يبلغ ثماني عشرة سنة وقت الزواج، والتي تقدم للمأذون بغرض التصادق عليها، مرفقًا بالإخطار صورة عقد الزواج العرفي، وبيانات أطرافة، وشهوده.
ويعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنية، ولا تزيد على مائتي ألف جنية، كل من تزوج أو زوَّج ذكراً أو أنثي، لم يبلغ أى منهما ثماني عشرة سنة، وقت الزواج، وتقضي المحكمة على المحكوم عليه إذا كان مأذوناً أو موثقاً أو وصياً على الطفل بالعزل، وإذا كان ولياً عليه بسبب الولاية.
ويعاقب كل من حرض على هذه الجريمة بذات العقوبة، ولو لم يترتب على التحريض أثر، ولا يُعد الطفل مسئولاً مسئولية جنائية أو مدنية عن هذه الجريمة، ولا تنقضى الدعوي الجنائية الناشئة عن هذه الجريمة، بمضي المدة.
كما يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنية، ولا تزيد على خمسين ألف جنية، والعزل، كل مأذون أو موثق منتدب خالف نص المادة “2” من هذا القانون، الخاصة بالإخطار عن واقعات الزواج العرفي الذي يكون أحد طرفيه طفلاً.
هذا ويناقش مسلسل “حضرة العمدة ” أحد القضايا الهامة المنتشرة في بعض أرجاء مصر، خاصة في صعيدها، قضيتة زواج القاصرات، وتجسد الفنانة روبي خلال أحداث المسلسل شخصية “صفية الفارس” أستاذة علم نفس في الجامعة الأمريكية، ويضغط عليها أهلها من أجل العودة لقريتها من أجل الترشح للعمودية العديد من المواقف والتحديات، حيث تقود قرية بأكملها بعد فوزها بالعمودية وتواجه أنقسام القرية بين مؤيدين و معارضين ممن لم يتقبلوا فكرة تولي سيدة شابة لمنصب كان حكراً على الرجال.