تقرير – سوزان الجمال
قذفت التقنية الطبية الحديثة مع التفاعلات بين بين الحضارات “مسألة الأم البديلة” أو “استئجار الأرحام” فهذه من النوازل الحادثة التي نتجت عن ثقافات غربية غريبة، وتقننت بصور مختلفة في الغرب، ثم بدأت تدب إلى عالمنا المسلم تحت وطأة الحاجة أحياناً، وتحت حب التقليد أحياناً أخرى، وعلى كل فلا بد من بحث هذه النوازل وإبداء الحكم الشرعي فيها إذ لا تخلو نازلة من الحكم الشرعي فيها.
تأجير الرحم التقليدي المعروف أيضا باسم تأجير الرحم الجزئي أو الطبيعي أو المباشر، وهو آن تؤخذ نطفة من زوج، وبويضة من زوجته، ثم توضعا في أنبوب إختبار طبي حتى يتم التلقيح في رحم أمراة أخرى نظير مال يدفع لها، وبعدها يجري نقله إلى للإنجاب، و إن الطفل الذي يولد بهذه الطريقة يحمل الصفات الوراثية من والدية.
وتبين أن الأطفال الذين ولدوا بطريقة الإخصاب في المختبر لم يعانوا من أي تشوهات جسدية أو عقلية مقارنة بالأطفال الذين ولدوا من خلال الحمل الطبيعي، مع ذلك في حال حدوث حمل متعدد لدى الأم البديلة، غالبا ما يحدث مخاض مبكر وولادة مبكرة، ما يؤدي إلى الخداج والتشوهات الجسدية أو العقلية.
قالت دار الإفتاء المصرية أن تأجير الأرحام من أجل الولادة حرام شرعاً، لما فيه من مفاسد تتلخص فى إفساد معنى الأمومة، كما فطرها الله وعرفها الناس، وصَبغُها بالصبغة التجارية، مما يناقض معنى الأمومة التى عظمتها الشرائعُ وناطت بها أحكام وحقوق عديدة، ونَوَّه بها الحكماء، وتَغَنَّى بها الأدباء.
وهذا المعنى وذلك التعظيم لا يكون من مجرد بويضة أفرزها مبيض امرأة ولَقَّحَها حيوان منوى من رجل، إنما تتكون من شىء آخر بعد ذلك مثل الوَحَم والغثيان والوهن فى مدة الحمل، والتوتر والقلق والطلق عند الولادة، والضعف والهبوط والتعب بعد الولادة، فهذه الصحبة الطويلة هى التى تُوَلِّد الأمومة.
كما أن تغطية الأمومة بهذا الحاجز الضبابي يؤدى إلى تنازع الولاء عند الطفل بعد الإنجاب، هل سيكون ولاؤه لصاحبة البويضة، أو للَّتى حملته وأرضعته من ثدييها، مما قد يعرضه لهزة نفسية عنيفة، إذ إنه لن يعرف إلى من ينتمي بالضبط إلى أمه الأولى أم أمه الثانية، ودرء المفاسد أولى من جلب المصالح.
وبررت الدار فتواها التى تحمل رقم 2525 بأن الطب من أخصب المجالات التى ظهر فيها تطور علمى هائل، ومن ذلك الحين وطب الإنجاب الصناعى في ثورة مستمرة وتطور دائم، وأضافت الفتوى أنه من طفرات هذا الفرع من فروع الطب ما يعرف بـ”الرحم البديل”، وصورته أن تلقح بويضة المرأة بماء زوجها ثم تعاد اللقيحة إلى رحم امرأة أخرى، وعندما تلد البديلةُ الطفلَ تسلمه للزوجين.
وأضافت الفتوى أن أسباب اللجوء إلى هذا النوع من التأجير متعددة كمن أزيل رحمها بعملية جراحية مع سلامة مبيضها، أو أن الحمل يسبب لها أمراضًا شديدة، كتسمم الحمل، أو للمحافظة على تناسق جسدها، وتخلصها من أعباء ومتاعب الحمل والولادة، وهو الصورة التى انتشرت مؤخرًا فى الغرب بشكل ملحوظ، حسب الفتوى، وصارت المرأة التى تبذل رحمها لتحمل بويضة غيرها تفعل هذا فى مقابل مادى فيما عرف بـ”مؤجِّرات البطون”، وقد بدأت هذه الممارسات في محاولات للتسلل إلى عالمنا الإسلامي.
أكدت الفتوى أن الأدلة أجمعت على حرمة اللجوء إلى طريق الرحم البديل سواء أكان بالتبرع أم بالأجرة، وهذا هو ما ذهب إليه جماهير العلماء المعاصرون، وبه صدر قرار مجمع البحوث الإسلامية بمصر رقم “1” بجلسته المنعقدة بتاريخ الخميس 29 مارس 2001م.
وقرار مجلس المجمع الفقهى الإسلامى في دورته الثامنة المنعقدة بمقر رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، في الفترة من يوم السبت 28 ربيع الآخر 1405هـ إلى يوم الاثنين 7 جمادى الأولى، 1405هـ الموافق من 19-28 يناير 1985م.
ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}. [المؤمنون: 5-7].
كما حذرت الفتوى من أن هذا النوع من التلقيح يقود إلى شبهة اختلاط الأنساب، لاحتمال أن تفشل عملية التلقيح بعد وضع اللقيحة في الرحم المؤجر، ويحدث الحمل عن طريق مباشرة الزوج لزوجته، فيُظَنُّ أن الحمل والوليد للمستأجر، مع أنه في الواقع ليس له.
وتابعت الفتوى أن هذه الشبهة ترد في حالة استمرار الزوج في مباشرة زوجته وهى حاملة للبويضة الملقحة، لأن الجنين يتغذى بماء الزوج، كما يتغذى من الأم الحامل، وقد ورد النهى الصريح عن وطء الحامل التى هى من هذا القبيل، فعن رُوَيفِع بن ثابت الأنصارى رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يَحِلُّ لامرئ يُؤمِنُ بالله واليومِ الآخِرِ أَن يُسقِى ماءَه زَرعَ غيرِه))، يعنى: إتيان الحُبالى. وفى رواية: “فلا يَسقِ ماءَه وَلَدَ غيرِه”.
وقالت الفتوى إن إجازة الحمل لحساب الغير فيه إزالة لضرر امرأة محرومة من الحمل بضرر امرأة أخرى هى التى تحمل وتلد، ثم لا تتمتع بثمرة حملها وولادتها وعنائها، والقاعدة المقَرَّرة، أن الضرر لا يُزال بالضرر، لهذه الأدلة وغيرها ولما قررته المجامع الفقهية نخلُص إلى القول فى واقعة السؤال بحرمة تأجير الرحم.
نجد في المقدمة إسبانيا، وإيطاليا، والصين، ومقاطعة الكيبك الكندية، وبعض الولايات الأمريكية، وجميع الدول الإسلامية باستثناء إيران تمنعة وتجرم القيام به.
من أول الدول نجد المملكة المتحدة، وكندا وأستراليا واليونان وفرنسا، والدنمارك وبلجيكا وإيران وإسرائيل، وبولونيا وروسيا و أوكرانيا ورومانيا وألمانيا وهولندا، بشروط صارمة وبعض الولايات الأمريكية، والهند وتايلاند والأرجنتين والبرازيل، وجنوب أفريقيا تجيزه وتضع له شروط وقوانين.
التنظيم القانوني لتأجير الأرحام في العالم، يعرف تلقي الأموال لهذا الإجراء باسم تأجير الرحم التجاري، تختلف شرعية وكلفة تأجير الرحم اختلافًا كبيرًا بين الولايات القضائية، ما يؤدي أحيانًا إلى إشكالية في إجراءات تأجير الرحم، سواء كانت دولية أو بين دولية، قد يلجأ الأزواج الراغبون بالحصول على إجراء تأجير رحم في بلد يُحظر فيه، إلى السفر إلى ولاية قضائية تسمح بذلك، في بعض البلدان، يكون تأجير الرحم قانونيًا فقط إذا لم يتضمن تبادل الأموال.
عندما يكون تأجير الرحم التجاري قانونيًا، يمكن للأزواج استخدام وكالات تابعة لجهات خارجية للمساعدة في عملية تأجير الرحم من خلال إيجاد أم بديلة وترتيب عقد معها، غالبًا ما تجري هذه الوكالات الإختبارات النفسية والفحوصات الطبية الأخرى، للأم البديلة لضمان أفضل فرصة للحمل والولادة بشكل صحي.
وعادةً ما تسهل جميع الإجراءات القانونية المتعلقة بالوالدين المقصودين والأم البديلة، يكون تأجير الرحم إما تقليديًا أو حمليًا، ويختلفان حسب الأصل الجيني للبويضة، يكون تأجير الرحم الحملي أكثر شيوعًا من تأجير الرحم التقليدي، ويعتبر أقل تعقيدًا من الناحية القانونية.
قانون تأجير الرحم في فرنسا، يقترح تقرير من مجلس الشيوخ تاريخ يونيو 2008، قانونية ممارسة الحمل بالبديل شريطة احترام قواعد محددة، تهدف إلى حماية الأم البديلة وتبرز إيثار المرشحة.
حيث يوصي التقرير بأن يجب أن يكون لدى الأم البديلة طفل مسبقاً، وأنها لا يمكن أن تحمل طفل ابنتها أو ابنها، إضافة إلى أنها لا يمكن أن تكون الأم الجينية، وأنها بحاجة إلى موافقة لجنة وقاض، وأنها لا يمكنها المطالبة بأجر ولكن يمكنها المطالبة فقط بتعويض معقول، وأنها لا يمكنها أن تقوم بأكثر من حملين بالبديل.
وفي كيبيك، يجب أن تكون الأم البديلة في سن لا يقل عن 21 عامًا، ويجب أن تُعتبر مستقلة في التصرف في جسدها، من المطلوب منها حضور جلسة للحصول على المعلومات وتوقيع اتفاق حمل بالبديل، يعكس موافقتها، يُمنع تقديم أجر للأم البديلة، ولكن يُسمح بتعويض بعض النفقات.
ويُضمن تطبيق القوانين المحددة لمنع الأجور، وهي عبارة عن عقوبات جنائية تصل إلى 10 سنوات من السجن وغرامة قدرها 500.000 دولار، من الناحية الطبية يجمع كل الأطباء على أن تاجير الرحم عملية آمنة على صحة المرأة والجنين، ولا توجد فيها أية مشكلة.