تقرير – وفاء العسكري
مع بداية صباح يوم جديد تقابل الكثير من الأشخاص، ولكن أنت لا تعلم أن واحد من كل 50 شخص لديه رهاب من المياه، وربما تلاحظ هذا على أحد منهم.
فتجد أحدهم لا يحب الاقتراب من أي مياه مثل البحار أو المحيطات وحتى البرك الصغيرة، ويصل الأمر إلى رعبه من مياه المطر، فدائمًا ما تجده في فصل الشتاء يتجنب التحرك من منزله، ويميل هولاء الأشخاص إلى حب فصل الصيف أكثر.
ويمكن تعريف رهاب الماء أو الأكوافوبيا “Aquaphobia” وهو نوع من أنواع الرهاب الإجتماعي، فهو عبارة عن الخوف من الماء المستمر وبدون سبب واضح، أو أسباب عقلانية، وهو مصطلح مختلف تمامًا عن الهيدروفوبيا “Hydrophobia” وهو فوبيا شرب الماء وهو مرتبط بمرحلة متأخرة من داء الكلب.
ويحدث ذلك بسبب صعوبة البلع والألم الشديدة الناجمة في الحلق، والذي يسببه داء الكلب، إذ أن رهاب الماء هو رهاب محدد يتضمن مستوى محدد من الخوف، وذلك يفوق قدرة المصاب على التحكم به، ويؤثر بشكل سلبي على حياته اليومية، أو ما يسمى بـ “روتين حياته” أو “نظام يومه”.
ويعاني المصابين بطرق مختلفة ومتعددة، إذ أنهم قد شعروا به عند مياه البحر أو المحيطات أو النهر، وقد تصل إلى الاستحمام، ويمكن أن يصل إلى حد الخوف من الرش بالمياه أو نزول المطر، وذلك عندما يكون بشكل مفاجئ أو صادم، مثل اندفاع المياه في بعض الشلالات المرتفعة.
وهنالك حالات مشابه لفوبيا المياه وهى صفة كاره المياه مثل المتواجد عند النباتات، وهى صفة تستعمل في الكيمياء الفيزيائية، لوصف جزئ عندما يتم دفعه من قِبل كتلة مياه، وتكون تلك الجزيئات كارهة للماء أي “لاقطبية”، وتسمى تلك الحالة بالـ “هيدروفوب”.
ويعتبر رهاب الماء هو الأغرب على الأطلاق، حيث هنالك أنواع متعددة من الرهاب مثل: الضوضاء، المرتفعات، الطيران، الخلاء، المؤنفات “الأشياء الحادة”، القطط، الألم، الخدش، الذكور، البشر، العناكب، الرعد والبرق، العزلة، السقوط، الضفادع، جروح حقن الدم.
بالإضافة إلى الرهاب من الكيماويات، الاستحمام، الخفاشيات، الألوان، الزمن “أي مرور الوقت”، الطعام، الاحتجاز “الأماكن المغلقة”، والمحدد “مثل المقبرة”، المهرجين، الغائط “مثل الغوص على مسافات عميقة”، الحاسوب، الكلاب، القرارات، الإتصالات “التي تتمثل في التحدث مع الأشخاص الغريبة”، ورهاب الشياطين “هو الخوف من الأرواح الشريرة”.
لذلك يُعد رهاب الماء هو أبسط أنواع الرهاب والأكثر شيوعًا، وهو رهاب فرعي حيث أنه قد يؤثر بشكل عام على 1.8% من سكان آيسلندا، وما يقارب واحد من كل 50 فرد في العالم، ويكون أكثر تأثيرًا على الأفراد الذي يمتلكون خيالات سابقة عن الماء والموت غرقًا، وذلك بسبب حدوث موقف في الصغر، وربما يكون فطرة طبيعية إنسانية.
وربما يتطور الأمر ليصل إلى مرحلة أصعب، يصبح فيها الفرد خائفًا من شرب الماء، وليس فقط الخوف من الموت غرقًا، ومعظهم هولاء الأفراد في الأغلب لا يستطيعون السباحة، ولا يمتلكون الجرأة على التواجد في أماكن المسطحات المائية، وظهر اختلاط مغلوط في المجتمع أن رهاب الماء هو ذاته رهاب البحر “فوبيا البحر”.
ولفصل الأمر يمكن تعريف فوبيا البحر على أنه جزء من رهاب الماء، فالأفراد المصابون برهاب الماء يخافون من أي تجمع مائي بجميع أشكاله المختلفة، أما المصابون برهاب البحر يخافون فقط من البحار والمسطحات المائية الضخمة، ولا يمكن القول أنه خوف صريح، ولكنه قلق شديد.
وتتعدد أسباب الرهاب من الماء فهى تنقسم لجزئين: فطري ولا فطري، فالجزء الفطري هو فرد مولود بذلك الرهاب وقد يكون ذلك عن طريقة الوراثة من أحد أفراد العائلة، أما اللافطري فهو يعود لأحداث أو مواقف حدثت للفرد، مثل رؤية شخص يغرق، أو في داخله الخوف من الموت غرقًا، وربما فقدان عزيزًا عليه مات غرقًا.
ويمكن قول أن الأسباب اللافطرية تنحصر في الحوادث الصادمة مع الماء مثل رؤية حادث غرق، أو التعرض للغرق عن طريق مزحة بداخل البحر، أو الدفع الصادم في الماء دون الاستعداد، وربما تعرض المصاب لتجربة غرق من على سطح سفينة أو قارب وكان مصيره النجاه، ولكن تصاحبه فوبيا.
وكما ذكرنا غرق أحد أفراد الأسرة أو شخص مقرب للمصابة، وربما تعلم المصاب هذا الخوف من الأب أو الأم أو الاثنين معًا، وذلك بسبب التحذيرات الدائمة للأطفال من الغرق وعدم الاقتراب من البحر، وهذا ما يخلق لديهم رهبة من البحر وخوف قد يصل إلى حد الفوبيا.
وكثرة سماع الأطفال للقصص والأفلام والتقارير عن أحداث الغرق، هذا قد يصيح عامل يُولد عندهم رهاب الماء، والأشخاص الذين لا يستخدمون الماء هم الأكثر عرضه للإصابة برهاب الماء، مثل سكان المناطق الصحراوية الرملية، ويكون معدل الإصابة وتطور الحالة أكبر وأسرع من الأشخاص الآخرين في المجتمع.
وذكر عمر أبو الرُب صانع محتوى أردني فلسطيني، أن البحر في ليبيا بات رعبًا ومصدر فوبيا لسكان الشرق الليبي، وبالتحديد أولئك الذين شهدوا جرفت السيول لمنازلهم، وسيارتهم وحتى عائلتهم في لحظة واحدة، فـ أهالي درنة الممتلئ ذاكرتهم بالمشاهد الأليمة أصبحوا يربطون المطر، واندفاعات الماء المفاجئ بالموت.
وأشار “أبو الرُب” إلى معاناة أهالي درنة من الاضطرابات نفسية بسبب صراخ الأطفال خلال نومهم، وأصبحت مشاهد الرعب والفزع أمور طبيعية بداخل قلوب الأهالي، وبات شبح الخوف يخيم على المدينة بأكملها، وفي وجه التحديد الأماكن التي نزح فيها المتضررين من عائلتهم في بني غازي.
وأضاف صانع المحتوى أنه لا يمكن نسيان كارثة تسونامي التي حلت على اليابان، والتي كان لها آثار عملاقة واضحة وبارزة في نفس الشعب الياباني، وبعد هذا الحادث المؤلم من نجاة منهم أصبح يستيقظ كل يوم بصورة مفزعة، حيث أنه شاهد موت عائلته وتآكل منزله من قِبل الماء، وهذا الأمر مازال يحدث حتى الآن، عندما يذكر تسونامي يَدُب الفزع في قلوبهم.
وتظهر علامات واضحة على المصاب برهاب الماء وذلك عند رؤيتهم لأحد مصادر المياه أمامهم، والتي قد تشمل: الخوف الشديد والذي قد يصل إلى نوبات هلع وزعر، والتعرق والارتجاف الحاد، وبالطبع ارتفاع ضغط الدم إلى جانب زيادة معدل ضربات القلب، والنفور وتجنب الاستحمام مما يؤدي إلى سوء النظافة الشخصية.
وذلك إلى جانب الخوف من جميع أحجام المياه بمختلف أنواعها مثل المسطحات والبحار الضخمه، ويصل الأمر إلى الخوف من بركة مياه صغيرة، أو بعض التجمعات في الشوارع الناجمة عن المطر، وربما يكون الخوف عند بعض المصابين من وضع رأسهم في الماء.
وعلى الجانب الآخر يصاب أحدهم بالذعر ونوبات الهلع بمجرد الأقتراب من الماء، أو التفكير في ذلك فقط، ويعبر الأطفال المصابون بذلك الرهاب عن طريق القلق والخوف بأشكال مختلفة، منها: البكاء ونوبات عصبية، ورفض الكلام أو التحرك، ونوبات من الغضب، والتشبث الجسدي بالأم أو الأب، أو بشئ ما يبعده عن المياه.
ويقوم الأطباء بتشخيص هذا الحالة في فترة سته أشهر على الأقل، حيث يتضمن التشخيص استبعاد الحالات النفسية مثل: اضطراب الوسواس القهري، اضطراب ما بعد الصدمة، اضطراب الهلع، اضطراب ثنائي القطب، وبالتالي يصف الطبيب العلاج المناسب في حالة عدم وجود أي من الحالات السابقة.
فهنالك العديد من طرق العلاج منها العلاج بالتعرض، هو عن طريق عرض المصاب تدريجيًا إلى أحد مصادر الماء، وذلك على عدة جلسات في بيئة آمنة ومراقبة، وبعدها يتم تسجيل ردود الفعل التلقائية التي يقوم بها المصاب، وفي الخطوة التالية يقوم المريض بالبدء في التفكير او الحديث عن الماء، أو النظر إلى صور ومقاطع للبحر.
بالإضافة إلى التفاعل مع الماء في كوب أو حوض استحمام، وتشغيل الحنفيات وإيقافها، ولمس مصادر المياه، ثم الوقوف بالقرب من المصدر، والخطوة النهائية تكون بإدخال جسد المصاب في الماء، أما النوع الآخر من العلاج، وهو العلاج المعرفي السلوكي CBT حيث يساعد على فهم أفكار وأنماط سلوكية تساهم في الرهاب.
ويعمل على تغيير هذا الأنماط، للتغلب على الرهاب، وتعليم تقنيات الاستراحة والاسترخاء، وآليات مواجهة القلق الحاد والخوف والذعر، وزيادة معدل الاستجابة للعلاج بنسبة أكبر، وهذا النوع من العلاج بسيط للغاية، حيث أنه يمكن للمريض ممارسته داخل المنزل، عن طريق التنفس العميق، وغيره من سلوكيات الاسترخاء.