تحقيق – بسملة الجمل
يولد طفل في بيت مفكك، يفتح عينيه على صراع لا يعرف أسبابه، ويجد نفسه بين أم غاضبة وأب مكسور، بينما حقه في الأبوة ينتزع منه دون رحمة، حيث يحرم صغير من حضن والده، يمنع من أبسط حقوقه في أن يسمع صوته أو يلمس يده، ويترعرع في ظل غياب نصف الصورة، فيكبر بداخله فراغ لا يملؤه شيء.
كما يتألم أب على أبواب المحاكم، يركض بين الجلسات، ويترجى دقائق معدودة في مراكز الشباب ليضم أبناءه، ثم يعود وحيدًا يحمل مرارة الفقد التي لا يراها أحد، وتستغل بعض الأمهات الخلافات الزوجية، تلوح بالأبناء كورقة ضغط، وتحولهم إلى ضحايا انتقام لا ذنب لهم فيه، فتزرع في قلوبهم جروحًا قد تتحول يومًا ما إلى عقد نفسية واجتماعية خطيرة.
ويتحول القانون إلى أداة قاصرة، يحدد الرؤية في ساعات محدودة، ويترك آلاف الأطفال أسرى حرمان طويل، يتساءلون ببراءة: لماذا لا نرى أبانا كما نرى أمنا، ويجمع خبراء النفس على أن الطفل المحروم من والده يعيش هشاشة عاطفية، يفتقد الأمان، ويكبر وهو يحمل شعورًا بالنقص، بينما الأب بدوره يعاني من اكتئاب وعزلة وربما فقدان الرغبة في الحياة.
كذلك تتسع الفجوة يومًا بعد يوم، يكبر الأطفال وهم يحملون صورًا ناقصة عن أسرهم، ويتعلمون أن الحب مشروط بالصراع، وأن الأب مجرد زائر عابر في حياتهم، فتتشوه علاقتهم بالأسرة، كما تترسخ بداخلهم جراح يصعب مداواتها مع مرور السنين.
وأكدت “سلمى هاني” أن حرمان الأب من أبنائه بعد الطلاق يعد ظلمًا مزدوجًا، ظلمًا للرجل الذي يحرم من فلذات كبده، وظلمًا أكبر للطفل الذي ينتزع منه نصف حنانه وأمانه، موضحة أن الخلافات الزوجية لا ينبغي أن تتحول إلى سلاح يوجّه ضد الأبناء، لأنهم الأضعف في هذه المعادلة، ولأنهم أكثر من يدفع ثمن الصراع بذاكرة مشوهة ونفسية مثقلة بالجراح.
وأشار “عمر سامح” إلى أن حرمان الأب من أبنائه لا يمكن اعتباره تصرفًا طبيعيًا مهما بلغت حدة الخلافات، بل هو شكل من أشكال الانتقام الذي يدفع ثمنه الأطفال وحدهم، مؤكدًا أن الخلاف بين الزوجين يجب أن يبقى محصورًا بينهما، بينما يظل حق الأبناء في وجود والديهم حقًا ثابتًا لا يجوز المساس به.
كما أوضحت “شروق السيد” أن الطفل هو الضحية الحقيقية في مثل هذه النزاعات، لأنه يحرم من أبسط حقوقه الإنسانية في العيش بين والديه دون صراع، مشيرة إلى أن الأب قد يتألم، لكن بإمكانه التعبير عن معاناته، بينما يظل الطفل صامتًا يحمل جراحًا داخلية قد ترافقه طوال حياته.
وأكد “محمد السيد” أن القانون الحالي الخاص بالرؤية لا ينصف الأب بأي حال، إذ يكتفي بساعات معدودة في أماكن غير مناسبة، لا تمنح الطفل فرصة حقيقية للتواصل مع والده، كما رأى أن هذا النظام يحول اللقاء إلى إجراء شكلي، بينما يظل الأب عاجزًا عن أداء دوره الطبيعي، ويظل الطفل محرومًا من علاقة متوازنة مع والده.
وأشارت “ريم محمد” إلى أن المجتمع ما زال ينظر إلى الانفصال باعتباره قطيعة تامة بين الأب والأم، من دون أن يمنح الطفل حقه في العيش في كنف كليهما، مؤكدة أن دعم فكرة بقاء دور الأب والأم حاضرًا في حياة الأبناء بعد الطلاق يكاد يكون غائبًا، وهو ما يفاقم من معاناة الأطفال ويدفعهم إلى مواجهة الحياة بنصف سند فقط.
وأوضحت “مريم أحمد” أن القانون الحالي في حاجة ملحة إلى تعديل يضع مصلحة الطفل في المقام الأول، مؤكدة أن الصغار هم الضحية الكبرى في أي نزاع أسري، مشيرة إلى أن التشريعات ينبغي أن تضمن للطفل حقه في علاقة متوازنة مع كلا الوالدين، بعيدًا عن الصراعات والانتقام، حتى لا يترك وحيدًا يواجه آثارًا نفسية واجتماعية طويلة الأمد.
وأشار “علي أحمد” إلى أن صديقًا له مر بهذه التجربة وكان يعاني من حالة نفسية صعبة، إذ بدا عليه الحزن الدائم والشعور بالعجز، وكثيرًا ما كان يتحدث عن افتقاده لأولاده وكأنهم يعيشون في عالم آخر بعيدًا عنه، موضحًا أن هذا الحرمان لم يؤثر على علاقته بأطفاله فقط، بل انعكس أيضًا على صحته النفسية وحياته الاجتماعية، حتى صار إنسانًا منطويًا يفتقد أبسط معاني الاستقرار.
وأوضحت “تقى أحمد” أنها إذا وضعت نفسها مكان طفل حرم من والده فسيطر عليها شعور بالوحدة والخوف، كأنها تعيش بنصف قلب ونصف سند، مؤكدة أن هذا الحرمان يغرس داخل الطفل إحساسًا بالنقص وحرمانًا من الأمان العاطفي، مما قد يجعله يكبر وهو يحمل جراحًا خفية لا يراها أحد لكنها تؤثر في شخصيته وعلاقاته طوال حياته.
الحرمان العاطفي.. صراع خفي يترك ندوبًا في نفسية الطفل والأب
أكد الدكتور محمد الوصيفي دكتور الطب النفسي وعلاج الإدمان بكلية الطب بجامعة المنصورة، أن حرمان الطفل من والده لفترات طويلة يترك أثرًا نفسيًا مباشرًا يتمثل في شعور دائم بالفقد والحرمان العاطفي، مما قد يترجم إلى قلق داخلي واضطراب في الإحساس بالأمان.

الدكتور النفسي محمد الوصيفي
وأشار “الوصيفي” إلى أن غياب الأب يؤثر بوضوح على ثقة الطفل بنفسه وعلى سلوكه الاجتماعي، حيث يفقد نموذجًا مهمًا في حياته كان يمكن أن يساعده على التوازن والاندماج داخل المجتمع، الأمر الذي يضعف من قدرته على التكيف مع المواقف المختلفة.
وأوضح محمد الوصيفي أن هذا الحرمان قد يتحول إلى ميول عدوانية أو صعوبات دراسية، إذ يعبر الطفل عن غضبه الداخلي بسلوكيات متمردة، وقد يرفض الالتزام بالمدرسة أو يعجز عن التركيز، وذلك نتيجة غياب الدعم النفسي والعاطفي الذي يوفره الأب.
وأكد الدكتور محمد الوصيفي أن الجملة القاسية “أبوك مش هيشوفك” لا يتلقاها الطفل كقرار عابر، بل يترجمها داخليًا كرسالة رفض أو إقصاء، فتتكون لديه مشاعر بالذنب أو بالدونية، وقد يظن أن المشكلة فيه هو شخصيًا.
كما أشار الدكتور النفسي إلى أن الطفل يبدأ في استيعاب وجود طرف مانع وآخر محروم من سن مبكرة، غالبًا مع بداية مرحلة الوعي الاجتماعي عند عمر 4 إلى 6 سنوات، حين يبدأ في إدراك العلاقات والأدوار الأسرية.
كذلك أوضح الدكتور محمد الوصيفي أن شعور الأب بالحرمان من أبنائه ينعكس على حالته النفسية بشكل مباشر، حيث يشعر بالعجز والخذلان، مما قد يقوده إلى نوبات من الاكتئاب أو الميل إلى الانعزال.
وأكد “الوصيفي” أن تراكم الإحباط واليأس عند بعض الآباء قد يؤدي بالفعل إلى اضطرابات نفسية خطيرة مثل الاكتئاب الحاد أو حتى الانهيار النفسي، وفي بعض الحالات قد يدفع بعضهم إلى سلوكيات عنيفة أو مدمرة للذات.
وأشار محمد الوصيفي إلى أن الدوافع النفسية وراء استخدام بعض الأمهات للأطفال كسلاح ضد الأب غالبًا ما تعود إلى مشاعر انتقامية، أو خبرات سابقة مليئة بالألم، وقد تكون الأم مقتنعة أنها تحمي أبناءها، بينما هي في الحقيقة تؤذيهم نفسيًا بشكل عميق.
كما أوضح الدكتور النفسي أن جذور هذا السلوك الانتقامي قد تعود إلى سمات شخصية مضطربة أو خبرات طفولة قاسية عاشتها الأم نفسها، وهو ما يجعلها تعيد إنتاج التجربة مع أبنائها، بشكل غير واعي.
وأكد محمد الوصيفي أن الحل يكمن في تأهيل الأب والأم نفسيًا بعد الطلاق، حتى يتمكنا من التعامل مع الانفصال بصورة ناضجة تحافظ على استقرار الأبناء، وذلك عبر جلسات دعم نفسي أو إرشاد أسري.
وأشار الدكتور النفسي إلى أن وجود جلسات إرشاد نفسي أو أسري بشكل إلزامي بعد الطلاق يمكن أن يقلل كثيرًا من حدة هذه الأزمة، إذ يتيح للأطراف التعبير عن غضبهم ومخاوفهم في بيئة آمنة، بدلًا من تحميل الأطفال عبء الصراع.
وفي ختام حديثه، أوضح “الوصيفي” أن هناك علامات تستدعي تدخلًا نفسيًا عاجلًا للطفل، مثل الانطواء الشديد، فقدان الرغبة في الدراسة، السلوك العدواني المتكرر، أو ظهور أعراض جسدية ناتجة عن الضغط النفسي، معتبرًا أن التدخل المبكر هو السبيل لإنقاذ الطفل من آثار نفسية قد تلازمه مدى الحياة.
الشرع يحرم حرمان الأب من أبنائه ويعتبره ظلمًا وقطيعة
أكد الشيخ عبد العال عزت أحد علماء الأزهر الشريف، أن حرمان الأم للأبناء من رؤية والدهم بدافع الانتقام لا يجوز شرعًا، لأنه نوع من الظلم، فالأب له حق ثابت في صلة أولاده ورؤيتهم، كما أن للأبناء حقًا على والديهم بالعدل والرعاية.
وأوضح الشيخ عبد العال عزت أنه لا يحق للمرأة منع الأب من رؤية أبنائه إذا كان ملتزمًا بواجباته، بل تكون آثمة إن فعلت، لأن الشرع أعطى الأب حق التربية والمتابعة والرعاية، خاصة إذا كان قائمًا بالنفقة والواجبات الشرعية.
وأشار “عزت” إلى أن الإسلام ينظر إلى حق الطفل في التواصل مع والديه بعد الطلاق على أنه أمر أصيل لا يجوز المساس به، لقوله تعالى: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء:23]، وهذا يشمل الوالدين معًا حتى بعد الانفصال.
كذلك شدد عبد العال عزت على أن حرمان الأب من أبنائه ظلم وقطيعة، وقد يدخل في باب قطيعة الرحم، لأن الأب من أقرب الأرحام، وقطيعته جريمة في حقه وفي حق الأطفال.
وبين الشيخ أن استخدام بعض الأمهات للأطفال وسيلة للضغط أو الانتقام من الأب يعد من كبائر الذنوب، لأنه ظلم مزدوج للأب وللأبناء، والواجب عليهن أن يتقين الله ويعلمن أن الطلاق لا يلغي الأبوة.
كما أكد الشيخ عبد العال عزت أن على الأب في حال حرمانه من أبنائه أن يصبر، وأن يسلك الطرق الشرعية والقانونية لاسترداد حقه، وذلك دون الدخول في خصومات تزيد الأذى على الأولاد.
كذلك نصح عبد العال عزت الأبناء في هذه الحالات بالصبر، والمحافظة على بر الوالدين معًا، وألا يحملوا في قلوبهم بغضًا أو حقدًا على أي طرف، وأن يلجؤوا إلى الله بالدعاء بصلاح الحال.
كما أوضح الشيخ أن حرمان الأطفال من والدهم يعد من أعظم صور الإضرار، لما يسببه من خلل في التربية ونقص في التوازن النفسي، وقد نهى النبي ﷺ عن كل صور الإضرار، فقال: “لا ضرر ولا ضرار”.
كذلك أشار “عزت” إلى ضرورة أن يقوم المجتمع والمؤسسات الدينية بدور إصلاحي فاعل، من خلال التوعية، وإنشاء مراكز إصلاح أسري، ومتابعة حالات الطلاق بما يحفظ حقوق الأبناء.
واختتم الشيخ عبد العال عزت بالتأكيد على أن رسالة الإسلام للأبوين بعد الطلاق واضحة: الطلاق لا يلغي الأبوة ولا الأمومة، بل يظل التعاون بينهما واجبًا في تربية الأولاد وحمايتهم، بما يحفظ دينهم ونفسياتهم واستقرارهم الاجتماعي.
الرؤية بين نص القانون وغياب الإنسانية
أكد المحامي أحمد الشرقاوي أن القانون المصري يعطي الأب حق الرؤية بعد الطلاق بواقع ثلاث ساعات أسبوعيًا في أحد مراكز الشباب أو الأماكن التي تحددها المحكمة، باعتبار أن هذا الحق مرتبط بمصلحة الطفل، وليس مجرد امتياز للأب.
وأوضح “الشرقاوي” أن النصوص الحالية غير كافية لحماية الأب من تعسف بعض الأمهات، حيث يظل التنفيذ مرهونًا بالتزام الطرف الحاضن، مما يجعل الرؤية في كثير من الحالات أمرًا صوريًا أكثر منه حقًا فعليًا.
وأشار المحامي إلى أن الامتناع عن تنفيذ حكم الرؤية يترتب عليه توقيع غرامة مالية أو إمكانية نقل الحضانة للأب في حال تكرار التعنت، لكن على أرض الواقع غالبًا لا يتم اللجوء لتلك الإجراءات إلا في الحالات القصوى.
كما لفت أحمد الشرقاوي إلى أن القانون المصري لا يمنح الأب حق استضافة أبنائه في منزله إلا في إطار ضيق، حيث يقتصر الأمر غالبًا على الرؤية، بينما الاستضافة لم تفعل بشكل واسع رغم المطالبات المتكررة بتطبيقها.
وبين المحامي أن الفرق بين الرؤية والاستضافة أن الأولى تعني لقاءً محدودًا في وقت ومكان معين، بينما الثانية تتيح بقاء الأبناء مع الأب لمدد أطول مثل يوم أو يومين، وهو ما يعتبر أكثر إنسانية ويحقق مصلحة الطفل في الارتباط بكلا الأبوين.
كذلك كشف “الشرقاوي” أن تنفيذ أحكام الرؤية يواجه عراقيل كبيرة، بدءًا من رفض الطرف الحاضن الالتزام بالمواعيد، وصولًا إلى مشكلات نفسية للطفل نتيجة شعوره بالضغط بين الوالدين.
وأوضح المحامي أن بعض الأمهات يلجأن إلى حيل قانونية مثل تقديم شكاوى كيدية ضد الأب أو التلاعب في مواعيد الحضور، ما يجعل الرؤية شبه مستحيلة في بعض الحالات.
وشدد أحمد الشرقاوي على أن مراكز الشباب كمكان للرؤية حل إداري لكنه غير عادل إنسانيًا، إذ يحول اللقاء إلى مشهد رسمي يفتقد الدفء الأسري، ما يؤثر سلبيًا على نفسية الطفل.
كذلك أشار المحامي إلى أن بعض القضايا بالفعل انتهت بحرمان الأب تمامًا من رؤية أبنائه، إما بسبب الهروب أو السفر بالأطفال دون إذن، وهي حالات مؤلمة تكشف قصورًا في آليات التنفيذ.
وأكد “الشرقاوي” أن تعديل قانون الأحوال الشخصية ليشمل زيادة فترات الاستضافة سيكون خطوة مهمة لتحقيق التوازن، خاصة وأن ثلاث ساعات أسبوعيًا لا تكفي لبناء علاقة طبيعية بين الأب وأبنائه.
وأوضح أن تطبيق نظام الحضانة المشتركة كما في بعض الدول قد يكون حلًا عمليًا إذا توافرت الضوابط القانونية والبيئة الاجتماعية المناسبة، لكنه يحتاج إلى ثقافة مجتمعية تقبل المشاركة الفعلية في تربية الأبناء.
كما لفت المحامي إلى أن تعديل القوانين يجب أن يضع الطفل في المركز الأول، بحيث لا يكون أداة صراع بين الأبوين، بل تبنى القرارات على مصلحته النفسية والاجتماعية قبل أي اعتبار آخر.
كذلك نصح أحمد الشرقاوي الآباء الذين يواجهون مشكلة الحرمان باللجوء للقانون وعدم الاستسلام للضغوط، مع البحث عن حلول ودية قدر الإمكان، حفاظًا على استقرار نفسية الطفل.
ودعا الأمهات إلى عدم استخدام الأبناء كوسيلة ضغط، محذرًا من أن ذلك يعد ظلمًا شرعيًا وقانونيًا ويترك آثارًا نفسية مدمرة على الطفل، قد تستمر مدى الحياة.
وفي نهاية حديثه، أكد “الشرقاوي” أن الحل لا يقتصر على الإجراءات القانونية وحدها، بل يتطلب تدخلًا مجتمعيًا ودعمًا نفسيًا للأطراف، حتى لا يتحول الانفصال إلى حرب يخسرها الجميع وعلى رأسهم الطفل.
رؤية الأبناء بين قيود القوانين وحقوق الطفولة
أكدت التجارب أن قضية رؤية الأبناء بعد الطلاق ليست مجرد بند قانوني عابر، بل هي مسألة جوهرية تمس أعماق الطفل وتحدد مستقبله النفسي والوجداني، فالطفل الذي يحرم من والده يعيش صراعًا داخليًا بين حاجته الطبيعية لوجود الأب وبين الواقع المفروض عليه، ما يجعله عرضة للاضطرابات النفسية والشعور بالنقص والرفض.
وأثبتت الدراسات النفسية أن غياب الأب يترك فجوة عاطفية كبيرة، تترجم إلى ضعف في الثقة بالنفس وسلوكيات مضطربة قد تظهر لاحقًا في المراهقة والشباب، ومع الأسف، فإن كثيرًا من القوانين الحالية التي تقيد الرؤية بساعات محدودة داخل أماكن رسمية، تحولت إلى قيود تكبل روح الطفل وتحوله إلى أداة في صراع بين الأبوين، بدلًا من أن تكون وسيلة لحمايته.
وأوضح الشرع أن الأبناء أمانة بين الوالدين، وأن حرمانهم من أحدهما ظلم ينافي مقاصد الرحمة والعدل التي دعا إليها الإسلام، حيث أكد النبي صلى الله عليه وسلم أن لهم حقًا في الرعاية والبر من كلا الأبوين، هذا المبدأ يضع مسؤولية عظيمة على عاتق المجتمع والدولة لتبني قوانين أكثر إنسانية تراعي مصلحة الطفل أولًا، بعيدًا عن النزاعات والانتقام الشخصي.
المطلوب اليوم ليس مجرد تعديل بعض البنود، بل إعادة صياغة شاملة لقانون الأحوال الشخصية بما يضمن للطفل حقه في العيش مع والديه ولو بشكل مشترك بعد الانفصال، مع توفير بدائل مثل الاستضافة أو الحضانة المرنة، بحيث ينشأ الطفل في مناخ متوازن يقيه من الأزمات النفسية والاجتماعية مستقبلًا.