تقرير – وفاء العسكري
سمع الكثير منا عن تحرير سيناء، وأغلبنا يعرف القشور البسيطة عن القصة، ولكن الجيل الجديد لا يعلم عنها شئ، لذلك سنوضح لكم كيف خرج أخر جندي من سيناء، وما هى سيناء في الأصل؟.
تقع سيناء “شبه جزيرة سيناء” في غرب قارة آسيا، في الجزء الشمال الشرقي من مصر، وهى الجزء الوحيد الذي يتبع مصر داخل قارة آسيا، وتبلغ مساحتها 60088 كيلو متر مربع، حيث تمثل 6% من إجمالي مساحة مصر، ويحدها من الشمال البحر الأبيض المتوسط، وشرقًا دولة فلسطين وتحديدًا قطاع غزة.
ويحد سيناء من الغرب خليج السويس وقناة السويس، ومن الجنوب البحر الأحمر، حيث تعتبر حلقة الوصل بين قارتي أفريقيا وآسيا، وتقسم إداريًا إلى محافظتين وهما: محافظة شمال سيناء ومحافظة جنوب سيناء، ومدينة بورفؤاد التابعة لمحافظة بورسعيد، ومدينة شرق القنطرة التابعة إلى محافظة الإسماعيلية.
بالإضافة إلى حي الجناين التابع لمحافظة السويس، وبها الكثير من المعالم المميزة والرائعة، إذ يوجد بها العديد من المنتجعات السياحية والمحميات الطبيعية والمزارات الدينية، وأبرز المدن بها: شرم الشيخ، دهب، طابا، نوبيع، محمية رأس محمد، محمية نبق، محمية طابا.
إلى جانب المنطقة الشهيرة دير سانت كاترين وهو دير أرثوذكسي شرقي، يقع في مصب مضيق عند سفح جبل سيناء، أسفل جبل كاترين أعلى الجبال في مصر، ومن أبرز الأماكن في سيناء أيضًا حمام موسى، حمام فرعون، جبل موسى الذي كلم النبي موسى ربه عليه، وتلقى الوصايا العشر وفقًا للديانات الإبراهيمية.
ويطلع على سيناء “الحجر” بسبب كثرة المناطق الجبالية، وذكر البعض أنها في الهيروغليفية تعرف باسم “توشريت”، وأما في التوراة عرفت باسم “حوريب”، حيث تدل آثار سيناء القديمة على وجود طريق حربي قديم وهو “طريق حورس”، ويبدأ من الفارما حتى العريش.
وشهدت أرض سيناء “أرض الفيروز” العديد من الأحداث التاريخية الهامة، أبرزها الحملة الصليبية الأولى، وافتتاح قناة السويس في عام 1869، كما شهدت الكثير من المراحل الطويلة للصراع العربي الإسرائيلي وأبرزها العدوان الثلاثي عام 1956، وحرب يونيو 1967، وحرب أكتوبر 1973.
ومن هنا تبدأ قصة خروج أخر جندي من أرض سيناء الحبيبة، تعلقت الأبصار أمام شاشات التلفزيون تتابع ارتفاع العلم المصري، حتى وصل لقمة السارية يرفرف، ليعلن يوم 25 أبريل للعالم كله أن “سيناء أرض مصرية” غصبًا عن العدو الحاقد.
ففي ذلك اليوم أعلنت السلطات المصرية عن خروج أخر جندي إسرائيلي، من خلال مشهد في سلسلة طويلة من الصراع المصري الإسرائيلي، وانتهى باستعادة الأراضي المصرية كاملة وانتصار القوات العسكرية والسياسية المصرية.
وبعد أيام قليلة من هزيمة 1967، بدأت معركة تحرير أرض الفيروز، إذ خاضت القوات المصرية معارك شرسة خلال حرب الاستنزاف، حتى تختمها لمعركة الكرامة في حرب أكتوبر، لرفع شأن القوات المصرية المنتصرة، ليأتي الدور السياسي المصري في مرحلة المفاوضات، حتى وقعت اتفاقية “كامب ديفيد” في 1979.
وتم الاتفاق فيها على انسحاب إسرائيل، وفق جدول زمني للانسحاب من سيناء، وتحقق الانتصار بانسحاب أخر جندي يوم 25 أبريل عام 1982، ومن هنا ترتفع أعلام مصر فوق أرض سيناء بالكامل، ظهر يوم 25 أبريل عندما تستكمل إسرائيل انسحاب قواتها والمدنيين من الجزء الباقي في أرضنا، وذلك تنفيذًا لاتفاقية السلام.
وبذلك تم تسليم آخر موقع على حدود مصر الشرقية في مدينة رفح شمال سيناء، وشرم الشيخ في جنوب سيناء، ورفع العلم المصري عليهما بعد احتلال استمر 15 عام، وأعلنت السلطات المصرية يوم 25 أبريل عيدًا قوميًا لتحرير أرض سيناء “أرض الفيروز”، التي أصبحت أرض مصرية خالصة.
وظهر الزحام في شوارع “رفح المصرية” في شمال سيناء، واحتفالات صاخبة وضخمة في جميع أنحاء المدينة “المدينة تتنفس من جديد بعد 15 عامًا من الاحتلال الغاصب”، وعلى الحدود علت أصوات الغناء، الداخلية على طول الطريق بالأغاني الوطنية، والهتافات التي تشعل النيران في قلوب العدو.
وتنتشر هتافات النصر والتكبيرات من الجميع، وتلقى الورود على الجنود المصرية المنتصرة والمسئولين عن رفع العلم المصري في رفح في مشهد غاية في الجمال، وعلى الجانب الآخر اجتمع بعض الأهالي أمام مستوطنة “ياميت” الإسرائيلية، لمتابعة اللحظات الاستثنائية بخروج آخر جنود الاحتلال منهزمين وسط جموع الشعب.
وانهمك جنود العدو بكل غضب وحقد في تدمير “ياميت” المستوطنة التي تحتوي على عددًا من المباني والمساكن الخاصة بهم، وقبل أن ينقلوا الأشياء الخاصة بهم للرحيل مهزومين، كانوا يحاولون رسم الابتسامة على وجوههم حتى يظهروا متماسكين حتى النهاية، ولكن في الحقيقة كان بداخلهم القهر والذل في مشهد رائع.
وأثناء خروجهم مقهورين هتف الأهالي باسم مصر “تحيا مصر”، ويضحكون على الخروج المذل لمن احتل أراضيهم، ويحمل الأباء أطفالهم فوق الأعناق وبجانبهم النساء، لكي يشاهدوا ما يدور حتى يبقى راسخ في ذاكرتهم حتى النهاية، ليحفظوا العهد وينقلوه إلى الأجيال الجديدة، لتولد في دمائهم كره العدو حتى الموت.
وانسحب جنود الاحتلال من المدينة، وانطلقوا إلى نقطة متفق عليها لصعود طائرات ذهبت بهم بلا عودة، في مشهد مميز هرول الأطفال خلفهم يقذفونهم بالحجارة، فيما ارتفعت نغمات الاحتفال والهتافات في أرض رفح بوصول محافظ سيناء، ليستلم بين يديه العلم المصري، ليسقط علم الاحتلال ويرفع علم الشرف.
ولم ينسحب العدو بهذا السلام، فخلال الانسحاب الإسرائيلي تفجر الصراع حول طابا، وعرضت السلطات المصرية موقفها بوضوح تام، واستغرقت المعركة الدبلوماسية لتحرير طابا الغالية 7 أعوام من الجهاد الدبلوماسي المكثف، وبالحديث عن الجنود المصريين الشرفاء يجب ذكر أبرز أعضاء فريق عودة طابا.
ومن أبرز أعضاء فريق عودة طابا، الوزير “عصمت عبد المجيد” دكتوراه في القانون الدولي من جامعة باريس عام 1951، وتولى رئاسة جامعة الدول العربية في الفترة من 1991 إلى 2001، ثم عمل سفيرًا لمصر لدى الأمم المتحدة لمدة 11 عامًا بدءً من 1972، ثم وزيرًا للخارجية المصرية بدءً من 1984.
وننتقل إلى أول قنصل عام لمصر في إيلات وهو “السفير حسن عيسى” حيث شهد على خروج آخر جندي إسرائيلي من أرض سيناء، وتعرض لمحاولة اغتيال في بيروت، وتوفى في فبراير 2012 عن عمر ناهز 74 عامًا، وأستاذ القانون الدولي “حامد سلطان” وهو رئيس لجنة التحكيم الدولية عن الجانب المصري في استرجاع طابا.
إلى جانب الوزير “مفيد شهاب” أستاذ القانون الدولي، ورئيس جامعة القاهرة الأسبق، ووزير التعليم العالي الأسبق، ووزير المجالس النيابية والشئون القانونية، والمستشار “وحيد رأفت” أستاذ القانون الدولي، ودبلوم معهد الدراسات الدولية العليا من باريس، ودكتوراه في القانون العام من جامعة باريس عام 1930.
ويعتبر “وحيد رأفت” مستشار بمجلس الدولة بالقاهرة عام 1946 حتى عام 1952، ثم رئيس إدارة الفتوى والتشريع بدولة الكويت عام 1964، وخبير قانوني لأمير الكويت حتى عام 1972، واختاره المجمع العلمي المصري في مارس 1980 عضوًا عاملًا به، إلى جانب السفير “نبيل العربي” أمين عام جامعة الدول العربية الأسبق، وسفير مصر لدى الهند من 1981 حتى 1983.
ويُعد “نبيل العربي” ممثلًا دائمًا لمصر لدى الأمم المتحدة في جنيف عام 1987 حتى 1991، ثم عضوًا بلجنة الأمم المتحدة للقانون الدولي من 1994 حتى 2001، وعمل قاضيًا في محكمة العدل الدولية من 2001 حتى 2006، بالإضافة إلى “يونان لبيب رزق” مؤرخ مصري معاصر، ودكتوراه في التاريخ الحديث من جامعة عين شمس عام 1967، توفي في 15 يناير 2008.