تحقيق ـ بسمة البوهي
تبنى العلاقة الزوجية على أسس من الثقة والأحترام والتفاهم المتبادل، وتعتبر أيضًا مساحه خاصة لا تحتمل التطفل أو التدخل غير المبرر، ولكن حين يتسلل طرف ثالث إليها قد تتغير ملامحها ويختل التوازن الذي كان قائمًا عليها العلاقة، وفي مجتمعاتنا كثيرًا ما نسمع عن تدخل الأهل أو الأصدقاء، أو حتى الغرباء في حياة الأزواج بحجة النصح أو الإصلاح، لكن هل كل تدخل يعد إيجابيًا، أم أن بعض التدخلات تفتح أبوابًا للخلافات وتزيد من تعقيد الامور.
أصوات من الواقع.. بين من يرى النصح علاجًا ومن يراه دمارًا
تقول “هبة محمد”: أنا أرى أن تدخل الأهل خصوصًا في بداية الزواج كارثة عادة تكون الخلافات بسيطة، ولكن بتكبر المشكله لأن كل طرف يخبر أهله، والمفترض أن يكون الزوجين أصحاب قبل أن يكونوا زوجين.
يوضح “أحمد محمد”، عادة ما يكون وجود طرف ثالث حكيم مفيد في حل الخلافات بهدوء، ودون تحيز لأي من الطرفين، لكن من الصعب العثور على مثل هذا الشخص في زمننا الحالي.
أضاف “إبراهيم عمرو”، كنت أظن أن دخول طرف ثالث بيني وبين زوجتي هو الحل، لكنني أدركت أن السر الحقيقي يكمن في عدم تدخل أي أحد بيننا، حتى وإن وجد خلاف فالأفضل أن نترك الأمور تهدأ، ثم نتصالح بهدوء دون أن يعلم أحد، لأن الطرف الثالث، مهما كان قريبًا، يظل يتذكر أخطاءنا ومشكلاتنا حتى بعد أن ننساها نحن.
تجمعت آراء الناس بين المؤيد والمعارض، فمنهم من يرى أن وجود طرف ثالث قد يساهم في تهدئة الأجواء وحل الخلافات بعقلانية، خاصة إذا كان شخصًا حكيمًا يتمتع بالخبرة والحياد، فيكون وجوده بمثابة صمام أمان يمنع تفاقم المشكلة، بينما يرى البعض أن تدخل أي طرف خارجي لا يزيد الأمور إلا تعقيدًا، وقد يؤدي إلى تكبير المشكلات، والتحيز لأحد الزوجين دون قصد، بل وربما يزرع الشك وسوء الظن بينهما بدلًا من الإصلاح.
ومن هنا نستنتج أن الخلافات التي تحدث بين الزوجين يجب أن تبقى في نطاقهما الخاص، دون أن تخرج إلى العائلة أو الأصدقاء، لأن العلاقة الزوجية تقوم أساسًا على الخصوصية والثقة المتبادلة، فعندما يحافظ الزوجان على أسرارهما، ويواجهان مشكلاتهما سويًا بهدوء ونضج، ويصبح تجاوز الخلاف أمرًا ممكنًا، وتزداد قوة الترابط بينهما، وإن نجاح أي زواج لا يعتمد فقط على الحب، بل على وعي الطرفين بأهمية الخصوصية، وقدرتهما على احتواء الخلاف دون تدخل الآخرين.
علم الإجتماع يقول كلمته.. التدخل يضعف التفاهم ويهز ثقة
تشير الدكتورة سامية خضر دكتورة علم الاجتماع، على أن الزواج علاقة إنسانية عميقة تقوم على الإنسجام والتكافؤ بين شخصين أختاروا أن يشكلوا معًا كيانًا مستقلًا، ولهم خصوصيتهم وحدودهم التي لا ينبغي تجاوزها، وعندما يسمح لطرف ثالث بالتدخل حتى لو كانت نواياة حسنة فإن ذلك غالبًا ما يربك التوازن الداخلي للعلاقة، لأنه يتيح الفرصة للمقارنات والانتقادات ويضعف التواصل المباشر بين الزوجين، بدلًا من أن تحل الخلافات بعقلانية ونضج، تتحول إلى نزعات أكثر تعقيدًا بسبب تعدد الآراء وتضارب المواقف.

الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الإجتماع
وتوضح الدكتورة سامية، أن إستقرار العلاقة الزوجية يتركز على قدرة الزوجين على معالجة خلافاتهم بأنفسهم، بعيدًا عن أعين الآخرين وتدخلاتهم، فكلما كان الحوار بينهم صريحًا ومبنيًا على الإحترام زادت قوة الرابطة بينهم، اما إذا أصبحت مشكلتهم معلنة بين الناس فإن ذلك يفقد العلاقو خصوصيتها، ويضعف الثقة المتبادلة بين الزوجين، لأن في الأصل يجب أن تحل الأمور داخل جدران البيت، لا أن تناقش في مجالس أو تعرض على أطراف خارجية.
من منظور الدين.. المودة لا تحتمل التطفل
يصف الشيخ محمد حسبو، من يتدخل بين الزوجين بأنهم “معكرين الحياة الزوجية”، لانهم أشخاص غير مرغوب فيهم، وتدخلهم يشكل خطرًا على العلاقة، مشيرًا إلى أن بعض الأزواج يسمحون لأشخاص مثل الصديق أو الأقارب بالتواجد في حياتهم الزوجية، مما يسبب توترًا ومشاكل، وقد يصل الأمر إلى الغيرة أو انعدام الثقة.
ويؤكد الشيخ أن الزواج في الإسلام هو ميثاق غليظ بين الزوجين والقائم على المودة والرحمة، وتدخل الآخرين دون وجه حق يعد تعديًا على خصوصية العلاقة وقد يؤدي إلى فسادها، ويجوز التدخل فقط في حالات الإصلاح، ويفضل أن يكون فرد من أهل الحكمة أو طرف محايد ولا يكون من أهل الطرفين، وليس تدخلًا عشوائيًا أو بدافع الفضول أو التسلط.
ويضيف “حسبو” أن هذا التدخل لا يتوافق مع قول الرسول صلى الله عليه وسلم “استوصوا بالنساء خيرًا” وأيضًا مع قول الله تعالى “وعاشروهن بالمعروف”، فلهذا يجب أن تبني العلاقة الزوجية على الخصوصية والاحترام، ولا يصح أن تكون أسرار الزوج أو الزوجة مع طرف خارجي.
ينصح الشيخ محمد حسبو، يجب على الزوجين أن يحفظوا أسرار بيتهم ولا يظهروا خلافاتهم أمام الآخرين، ويجب أن يكون الحوار بينهما هو الأساس لا اللجوء إلى طرف ثالث في كل صغيرة وكبيرة، وإذا احتاجوا إلى تدخل فيستحسن أن يكون من أهل الثقة والعدل.
في النهاية نستنتج أن الحياة الزوجية تحتاج إلى رعاية خاصة، كالنباتات التي لا تنمو إلا في بيئة آمنة، ودخول طرف ثالث يشبه المتطفل الذي يفسد جذور الثقة، أو يكون كالماء الذي يرويها إذا كان حكيمًا، لذا على الزوجين أن يحرصوا على بناء جدار من التفاهم والخصوصية، ولا يسمحوا لأي طرف خارجي يفسد حياتهم، فالحب لا ينجو إلا إذا كان بين اثنين فقط.