إنفراد – روفيدا يوسف
يعد الأرز من المحاصيل الاستراتيجية في مصر، فهو غذاء رئيسي على مائدة الأسرة المصرية، كما يمثّل مصدر دخل هام لآلاف الفلاحين، ومع تزايد تحديات التغيرات المناخية ونُدرة الموارد المائية.
بدأت الدولة في البحث عن بدائل وأساليب مبتكرة، تساعد في استمرار زراعة الأرز دون الإضرار بحصة مصر من المياه، وأمام هذه التحديات برزت أساليب جديدة لزراعة الأرز تسعى لترشيد استخدام المياه، ومن أبرزها «زراعة الأرز على المصاطب» المعروفة أيضًا بـ”البذرة الجافة في الأرض الجافة”.
وتُعد هذه الطريقة بمثابة ثورة زراعية جديدة، يمكن أن تُحدث فارقًا في ملف الأمن الغذائي المصري، وتفتح الباب أمام استخدام أفضل للموارد الطبيعية، فكيف تتم زراعة على المصاطب، ومدى جدوى هذه الطريقة على الاقتصاد.
الزراعة البدار.. الطريقة التقليدية الأكثر شيوعًا
تُعتبر طريقة البدار أو الزراعة المباشرة من أقدم الأساليب المستخدمة في زراعة الأرز بمصر، تبدأ العملية بتجهيز الأرض من خلال الحرث، وإضافة السماد العضوي والمعدني، ثم تُقسّم الأرض إلى أحواض محكمة لحجز الماء.
بعد ذلك يتم غمر الأرض بالمياه وتلويطها وتسويتها، لتُنثر التقاوي إما جافة أو منقوعة مسبقًا، وتُغطى بطبقة من الطين تحت سطح الماء، ورغم بساطة هذه الطريقة واعتمادها الواسع.
إلا أن هذه الطريقة تستهلك كميات كبيرة من المياه، وتحتاج إلى كميات تقاوي أكبر، كما أن مقاومة الحشائش فيها أصعب نسبيًا، إلا أن بعض الفلاحين يفضلونها نظرًا لقلة تكلفتها من حيث الأيدي العاملة وسهولة تطبيقها في الأراضي المالحة والقلوية.
طريقة الشتل.. تحكم أكبر وكفاءة أعلى
تعتمد طريقة الشتل على إنشاء مشاتل صغيرة في البداية، حيث تُزرع التقاوي في مساحة صغيرة تتمثل في1.5 إلى 2 قيراط لكل فدان، ويُضاف لها السماد العضوي والمعدني، تُروى المشتل وتُعتنى به لمدة تتراوح بين 25 إلى 35 يومًا، ثم تُنقل الشتلات إلى الأرض المستديمة بعد تجهيزها جيدًا.
وتتميّز هذه الطريقة بقدرتها على تقليل انتشار الحشائش، نظرًا لسرعة نمو الشتلات، مما يقلل من استخدام المبيدات، كما أنها توفّر في استهلاك المياه مقارنة بطريقة البدار، وتُعد أكثر كفاءة في الإنتاجية، خصوصًا عند اتباع نظام الزراعة في سطور والمسافات المحددة بين الشتلات.
زراعة المصاطب “الأرز الجاف”.. ثورة في ترشيد المياه
وسط التحديات التي تواجهها مصر فيما يتعلق بندرة المياه، برزت طريقة “زراعة الأرز على المصاطب” كإحدى أنجح الحلول الزراعية الحديثة، تعتمد هذه الطريقة على زراعة البذور في أرض جافة دون غمرها بالماء في البداية، ثم تُروى لاحقًا بكميات محسوبة حسب الحاجة، ما يقلل استهلاك المياه بنسبة كبيرة مقارنة بالطرق التقليدية.
يتم تنفيذ الزراعة على هيئة خطوط، حيث توزّع البذور الجافة في خطوط متوازية بمسافة تتراوح بين 60 إلى 70 سم، ثم تُرش الأرض بمبيدات حشائش وتُروى بشكل دوري ومنضبط، كما تتضمن هذه الطريقة استخدام أسمدة متوازنة، والعناصر الصغرى مثل الزنك والحديد، وأحيانًا مستخلصات الطحالب البحرية التي تعزّز نمو النبات بشكل طبيعي.
وتُشير التقارير إلى أن هذه الطريقة ليست فقط موفرة للمياه، بل تساعد أيضًا على تحسين جودة التربة، وتقليل معدلات التملّح، ما يجعلها خيارًا ذكيًا ومستدامًا، للمستقبل الزراعي في مصر.
الدكتور علي إبراهيم: الزراعة على المصاطب ترشد المياه وتزيد الإنتاج وتقلل التكاليف
يؤكد الدكتور “علي إبراهيم” دكتور بمركز البحوث الزراعية، أنه خلال السنوات الماضية شجعت الدولة على تطبيق الزراعة على المصاطب ضمن استراتيجية وطنية لترشيد استهلاك المياه، وتحسين الإنتاجية، هذه الأساليب تم دمجها مع تقنيات، مثل التسوية بالليزر، واستخدام أصناف مبكرة النضج وقليلة استهلاك المياه، في عدد من المحاصيل الاستراتيجية، كالأرز والقمح والذرة.
ويعد الهدف الرئيسي كان مواجهة ندرة المياه والتغيرات المناخية، بالإضافة إلى ترشيد استهلاك المياه، وزيادة الإنتاجية، وتحسين استخدام التقاوى والأسمدة، وأوضح تقرير لوزارة الزراعة أن الزراعة على المصاطب تساعد في استخدام أقل للري بنسبة تتراوح بين 20–30%.
ويوضح الدكتور أن الزراعة على المصاطب مختلفة تمامًا عن الطريقة التقليدية، حيث يتم في الطريقة التقليدية ري الحقل بالكامل عن طريق الغمر، أما في الزراعة على المصاطب، فتُرفع التربة لتشكيل حزم تسمى “مصاطب”، وتُروى فقط بين هذه المصاطب، مما يقلل الفاقد من التبخر، ويحول دون وصول الماء إلى ظهر المصاطب.
وتوفر هذه الطريقة حوالي 20–30% من مياه الري مقارنة بالطريقة التقليدية، وذكرت وكالة “شينخوا” أن التقنية الجديدة في القمح خفضت استهلاك المياه، بنسبة تصل إلى 75% عند تطبيقها ضمن منظومة متكاملة.
ويشير بالنسبة إلى أن إنتاجية الفدان وجودة المحصول، فقد أدت هذه الطريقة إلى زيادة الإنتاجية من 10–25%، مثلًا تجربة “FAO” حققت زيادة في إنتاج القمح بنحو 25%، كما تشير دراسة مصرية حديثة إلى زيادة 4–5 أرادب للفدان من القمح، مع توفير التقاوى بنسبة 40–50%.
ويشيد “إبراهيم” أنه وبالرغم من تلك الفوائد، واجهت هذه الطريقة بعض الاعتراضات، خاصة من فئة الفلاحين ذوي الحيازات الصغيرة، تمثلت أبرز التحديات في صعوبة شراء الآلات المطلوبة، وارتفاع تكلفة التجهيز مقارنة بطريقة الزراعة التقليدية، وقلة توفر الآلات الفنية والتدريب عليها.
ولمواجهة هذه التحديات، تم تنفيذ حقول إرشادية وتدريب ميداني للفلاحين، بالتعاون مع مركز البحوث الزراعية ومنظمات مثل “ICARDA” و”FAO”، كما دعمت الدولة المزارعين، من خلال توفير التقاوى بأسعار مدعومة، وتخصيص خطوط ساخنة للإبلاغ عن التلاعب.
وتعتبر الزراعة على المصاطب أقل تكلفة للفلاح، حيث توفر التقاوى بنسبة 40–50% وتقلل استهلاك المياه والوقود، كما تؤدي إلى خفض نفقات العمالة والحرث في بعض الحالات.
ويستكمل دكتور مركز البحوث الزراعية أن هناك مؤشرات واضحة إلى زيادة العائد من الفدان، مثل زيادة الإنتاجية بنسبة 10–25% في التجارب العملية، وتوفير مياه وغازات الأسمدة، وتحقيق كفاءة أعلى في الحصاد، وهو ما أكدته تقارير رسمية.
كما تم تطبيق التقنيات في عشرات المحافظات، وتعزيز الحملات التدريبية والإرشادية، بالإضافة إلى نشر ملايين الأفدنة بنظام المصاطب في الموسم، خصوصًا في القمح، ويأتي ذلك في إطار تعميم التجربة على مستوى الجمهورية، حيث نفّذت الوزارة مشروع الاستثمارات الزراعية المستدامة “SAIL” في عدة محافظات، استفاد منه أكثر من 5000 مزارع، ويستخدم إنذارًا مناخيًا مبكرًا في التوجيه.
ويختتم الدكتور علي إبراهيم أن الزراعة على المصاطب تشكّل تحولًا إيجابيًا: ترشد المياه، تعزز الإنتاجية، وتقلّل التكاليف، ورغم التحديات، فقد نفذت الحكومة برامج واسعة ونشرت تجارب ناجحة، خلقت مؤشرات واعدة لتعميم المنهج على نطاق أوسع.
تمثل الزراعة على المصاطب نقلة نوعية في أساليب الزراعة بمصر، فهي ليست مجرد تقنية لترشيد استهلاك المياه، بل استراتيجية متكاملة تسهم في مواجهة تحديات الأمن الغذائي والتغيرات المناخية، وتفتح آفاقًا أوسع للاستغلال الأمثل للموارد الزراعية.
وبينما تتطلب هذه الطريقة جهودًا إضافية في التدريب وتوفير المعدات، إلا أن فوائدها الإقتصادية والبيئية والإنتاجية تجعلها خيارًا استراتيجيًا للمستقبل الزراعي في مصر، خاصة إذا استمر دعم الدولة والمبادرات البحثية والإرشادية التي تضمن انتشارها وتطويرها على نطاق واسع.