تقرير – وفاء العسكري
أصبحت الألعاب الإلكترونية متاحة الآن أمام الجميع في كل مكان، سواء على تطبيقات الهواتف المحمولة، والوسائط الإجتماعية أو على أجهزة “البلاي ستيشن”، وهنالك أشخاص يعتبرون أن الألعاب الإلكترونية وظيفة ومصدر دخل لهم، وكل يوم تجذب هذه الألعاب، ملايين من الأطفال والكبار إلى عوالمهم الافتراضية.
ويتم تعريف “إدمان الألعاب الإلكترونية” والمعروف أيضًا بإدمان ألعاب الفيديو “VGA”، أو اضطراب ألعاب الإنترنت على أنه: نمط من الاستخدام القهري للألعاب “الألعاب الرقمية أو ألعاب الفيديو”، ينتج عنه ضعف في قدرة الفرد على التحكم في الوقت، الذي يقضيه أمام تلك الألعاب.
بالإضافة إلى زيادة الأولوية الممنوحة للألعاب على أداء وظائفه الأساسية في مختلف مجالات الحياة، والتوحد بشكل كبير مع هذه الألعاب على مدار فترة طويلة من الزمن، واستمرار اللعب أو تصعيده على الرغم من وجود عواقب سلبية سيئة.
ويعتبر هذا النوع من الإدمان مثيرًا للجدل إلى حد ما في الأوساط العلمية، نظرًا لأنه لا يوجد إجماع علمي حتى الآن، على الوقت الذي يصبح فيه الإفراط في استخدام ألعاب الفيديو إدمانًا، ومع ذلك قامت الجمعية الأمريكية للطب النفسي “APA” بتصنيف “اضطراب الألعاب عبر الإنترنت” على أنه “تشخيص محتمل يتطلب المزيد من المراجعة”.
وتركت الجمعية الأمريكية للطب النفسي الباب مفتوحًا، أمام احتمالات تغيير التصنيف مستقبلًا، وأرجعت ذلك إلى أنه حتى الآن لا يوجد أبحاث كافية قاطعة تجعل الإفراط في ألعاب الفيديو، يصنف كنوع من أنواع الإدمان.
ومن ناحية أخرى أضافت منظمة الصحة العالمية “اضطراب الألعاب”، إلى كتابها المرجعي الطبي في التصنيف الدولي للأمراض عام 2018، في الوقت الذي لم تفعل فيه ذلك الجمعية الأمريكية للطب النفسي حتى الآن، حيث تضع المقامرة كنشاط سلوكي، وحيد مدرج كإدمان محتمل.
ولإنهاء الجدل يمكن القول أنه حتى وإن كان “اضطراب إدمان الألعاب الإلكترونية”، غير معترف به رسميًا من بعض الجهات، إلا أنه لا يوجد شك على وجود الكثيرين ممن يفقدون أعمالهم، وعلاقتهم بمحيطهم، و عائلاتهم، بسبب التوحد التام مع تلك الألعاب وإدمانها.
لذلك فالخبرات الواقعية والوعي العالمي المتزايد، بالإدمان السلوكي يؤكد على هذا النوع الخطير من الإدمان، وهو السبب الرئيسي لإدراج منظمة الصحة العالمية له، في تصنيفها للأمراض في عام 2018.
أشار دكتور “خالد علي” دكتور علم نفس بجامعة الإسكندرية، إلى أنه هنالك العديد من الأسباب لإدمان ألعاب الفيديو، ولكن أبرز تلك الأسباب هى: العزلة الاجتماعية، والانطواء وعدم التواصل الجيد مع الأبوين أو المحيطين، الشعور بالسعادة، والنشوة الزائفة، نتيجة ممارسة تلك الألعاب، والرغبة المستمرة في الإحساس بذلك.
وتابع الدكتور: بالإضافة إلى الرغبة في الهروب من الواقع، بسبب عدم القبول الإجتماعي للشخص المدمن، والأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية مثل الأكتئاب، واضطرابات القلق، يكونوا أكثر عرضة لمثل هذا النوع من الإدمان، وهنالك العديد من الدراسات تشير إلى أن الأغلبية العظمى، ممن يعانون من أعراض إدمان الألعاب الإلكترونية، يلعبون ألعابًا متعددة اللاعبين عبر الإنترنت.
أضاف محمود أكرم أحد طلاب علم النفس ومن عشاق الألعاب الإلكترونية، أنه أكتشف في وقت مؤخرًا بعد أحد محاضرات علم النفس أنه مدمن على الألعاب الإلكترونية لأنه كان يمر بالعديد من العلامات الدالة على المرض.
وقال “أكرم”: “أشعر بالإنزعاج الشديد عند عدم القدرة على اللعب، واضطر للكذب على الأشخاص المقربينؤ بشأن مقدار الوقت الذي اقضيه في اللعب، والعزلة الإجتماعية وأشعر بالتوحد لفترات طويلة في اللعب بدون ملل، ولا امتلك القدرة على التوقف أو حتى تقليل الوقت الذي تقضيه في اللعب، واللجوء إلى تلك الألعاب بشكل مستمر، للشعور بحالة مزاجية أفضل، وعدم الانتظام في العمل أو الدراسة، والاستمرار في اللعب على الرغم من إدراك أني بدأت التعرض لمشاكل دراسية أو اجتماعية.
وأكمل طالب علم النفس أنه يتعرض أيضًا لبعض الآلم الجسدية، مثل الصداع المستمر والتشويش في الرؤية نتيجة للرهاق الشديد للعين،آلام متفرقة بالرقبة، وسوء التغذية نتيجة للتخلي عن الوجبات الرئيسية، من أجل قضاء أكبر وقت ممكن مع تلك الألعاب، والأرهاق الجسدي نتيجة للعب المستمر، وعدم الحصول على قدر كافي من النوم، والشعور بألم مستمر في الظهر، والفقرات بسبب الجلوس لوقت طويل، واحمرار العين، وضعف التركيز بسبب الأنفصال عن العالم الخارجي.
والشائع في المجتمع دائمًا أن مدمن الألعاب الإلكترونية ذكر، ولكن الغريب هو أن هنالك أحد الأمهات، كتبت على إحدى صفحات “الفيسبوك” أن ابنتها مدمنة لـ ألعاب الفيديو فقالت أن ابنتها تجلس الكثير من الوقت على هاتفها المحمولة، وأيضًا على جهاز الكمبيوتر، وأنها أصيبت بمشاكل في الظهر والعمود الفقري.
بالإضافة إلى خسرتها الكثير من الوزن بسبب تجنبها للأكل، وفقدت الكثير من أصدقائها، وتتجنب الحديث معانا جميعًا في المنزل، وعندما تحدثت معها، قالت أن الهاتف أفضل صديق لها، لأنها تجد ما تريده بداخل الأنترنت، وحاولت التحدث معها أنها تدمر حياتها، ولكن لم تستمع لي.
وأضافت الأم أن اليأس لم يتمكن منها، ولم تعاقب ابنتها بسحب الهاتف أو الضرب بشدة، بل تقربت منها، وحاولت التحدث معاها كثيرًا، وكانت تتحدث معاها في أي موضوع، حتى بدءت تترك الهاتف مع الوقت، وترجع لحياتها الطبيعية، ثم توجهت الأم لمعالجة الآلم ظهر ابنتها، واتفقا سويًا أنها يمكنها استعمال الهاتف، ولكن لفترة محددة فقط، وقالت الأم لها أن التعامل مع الآخرين، أفضل بكثير من قطعة حديد.
فسر أحمد الشهير باسم “بيستي Bisty” صانع محتوى على موقع التواصل الإجتماعي “يوتيوب”، كيفية تجنب الإصابة بالإدمان، وهى عن طريق قيامه بتنظيم وقته، فيقوم بتخصيص وقت لعائلته، ووقت لنفسه ورفاهيته، ووقت لعمله، وتحدث عن تخطيه الإصابة بالإدمان، عن طريق وضع جهاز منبه بجانب جهاز الكمبيوتر الخاص به.
ويقوم “بيستي” بظبط المنبه على فترة محددة، وبعد أن يرن جرس المنبه، يقوم فورًا بالتحرك، وأشار إلى أنه عندما يسمع الآذان، يقوم فورًا بالتحرك لأداء الصلاة، وذلك أيضًا يساعده على الأنفصال بعد الإنغماس مع أحد الألعاب، أثناء العمل.
وأكد صانع المحتوى أن كل ذلك لن يحدث، إلا إذا رتب الإنسان أولوياته في الحياة، وأن يكون على اقتناع تام، أن التعامل مع البشر، والإنغماس في المجتمع، هم أفضل بكثير من الأجهزة الإلكترونية، والتكنولوجية الحديثة، وان أهم شي في تخطي الإدمان، هو التحكم في النفس، وياتي بعد ذلك التحكم في الوقت، وتقدير أهميته.
وتحدث عمر الشهير بـ “جاميكا” هو أحد صناع المحتوى على يوتيوب، أن هنالك بعض الشركات، تقدم ألعاب مغامرات لا نهائية، في عالم افتراضي متكامل، يمكن للاعبين من خلاله أن يعيشوا حياة مختلفة، كأشخاص جديدة منفصلين عن مشاكلهم، وعن الواقع الحقيقي.
وأضاف “جاميكا” أن شركات الألعاب في الوقت الحالي، تنتمي إلى الصناعة، فأصبحت تقدر بـ”مليارات الدولارات”، وقد صممت خصيصًا لكي تسبب نوعًا من الإدمان، فكلما زاد عدد الأفراد الذين يلعبون تلك الألعاب، كلما زادت أموال المستثمرين، دون وضع أي اعتبارات أخلاقية.
وعلق صانع المحتوى قائلًا أنه ببساطة الشركات تعمل على جعلك تبدأ بالعيش في واقع افتراضي، تختبر من خلاله مجموعة من التجارب المسلية، والمغامرات التي توفر لديك نسب عالية جدًا من “الدوبامين”، ومن السهل الإنخراط في اللعب لساعات طويلة، دون إحساس بالوقت، فهى بالأساس ألعاب إجتماعية تخلق لك بيئة، تشعر فيها بالأمان والتحكم الكامل.
وأوضح “عمر” أن الدوبامين هو مادة كيميائية، أو هرمون موجود بشكل طبيعي في جسم الإنسان، حيث يعزز من “الشعور بالسعادة”، بالإضافة إلى كونه ناقلًا عصبيًا، أي أنه يرسل إشارات بين الجسم والدماغ، والتوازن الصحيح للدوبامين في جسم الإنسان هو أمر في غاية الأهمية والحيوية، حيث أنه يلعب دورًا في التحكم بالمهارات الحركية، والاستجابات العاطفية، ما يجعله أساسيًا للصحة البدنية والعقلية.
ولحل تلك المشكلة أن مر بها طفلك أو على وشك المرور بها، يجب عليك شغل أوقات فراغ طفلك عن طريق ممارسة رياضة، أو تعليمه حب القراءة وشراء كتب له تناسب عمره، أو تسمح له بالخروج مع الأصدقاء، وبذلك تكون قد أحرزت خطوة ناجحة في مساعدة طفلك.
ويجب على الأهل أيضًا تحديد وقت معين خلال اليوم لممارسة الألعاب الألكترونية، ومتابعة الطفل، ومراقبة تصرفاته الإنفعالية خلال اللعب، ومحاولة التقرب من ابنك المراهق، وتعرف على المشكلات التي تواجه، وحاول أن تجد حل معه، ذلك سيساعد ابنك في التفاعل مع البشر.
ولا تقم بتعنيف الطفل بل حاول تعديل سلوكياته بالتقرب منه، والتحدث معه والاستماع إليه، وقم بالإشتراك له في نادي رياضي، وحاول إكتشاف موهبة طفلك، وقم بدعمها وتطويرها، وتشجيع طفلك سيكون الداعم الأول له.