تحقيق – بسملة الجمل
هناك روابط تجمع بين الأبناء والوالدين، تلك الروابط التي لطالما كانت تمثل الأمان والدعم، لكن ماذا يحدث عندما يتحول هذا الحب إلى قسوة، ظاهرة قتل الأبناء لوالديهم هى واحدة من أبشع صور الجحود الأسري التي هزت المجتمع في السنوات الأخيرة، لقد أصبحنا نسمع بين الحين والآخر عن حوادث يقتل فيها الأبناء أولئك الذين ربوهم وعاشوا معهم سنوات طويلة.
في السنوات الأخيرة، شهدت مصر العديد من الجرائم التي أثارت صدمة كبيرة في المجتمع، حيث تورط أبناء في قتل والديهم لأسباب تتراوح بين الخلافات العائلية، الإدمان، والاضطرابات النفسية، هذه الجرائم ليست مجرد وقائع فردية، بل ظاهرة تستدعي الوقوف عندها ودراستها بعمق.
مراهقة قاتلة في كرداسة “2017” صراع بين الأجيال ينتهي بجريمة
شهدت منطقة كرداسة بالجيزة، اقدام طفل يبلغ من العمر 14 عامًا، بمساعدة والدته، على قتل والده بعد منعه من الخروج مع أصدقاء السوء.
ووفقًا للتحقيقات كان الأب يتسم بالعنف الشديد تجاه ابنه وزوجته، مما دفع الابن للتخطيط لقتله أثناء نومه، مستخدمًا سلاح أبيض “سكين”، وبعد ارتكاب الواقعة قامت الأم بمساعدة ابنها في التخلص من الجثة عن طريق وضعها في سيارة المجني وتركها في منطقة بعيدة.
جريمة الغربية “2022” تصرف وحشي يهز المجتمع
أقدم شاب في محافظة الغربية على جريمة مروعة حيث أنهى حياة والدته بطريقة وحشية ما أدى إلى صدمة مجتمعية كبيرة خاصة أن الجريمة لم تكن نتيجة دفاع عن النفس أو رد فعل على اعتداء بل كانت نتيجة اضطراب سلوكي شديد.
وبالفحص والتحري تبين أن الجاني كان معروفًا بحسن سلوكه، إلا أنه بعد وفاة والده انحرف نحو تعاطي المخدرات، مما أدى إلى تدهور حالته السلوكية، وحاولت والدته مرارًا علاجه ولكن دون جدوى، وفي يوم الحادث نشب خلاف بينهما بسبب تأخرها في إعداد الطعام، وقام بخنقها حتى لفظت أنفاسها الأخيرة.
قتل الأب في قنا “2022” عنف بلا مبرر
أنهى شاب حياة والده خنقًا في محافظة قنا، ثم قام بإلقاء جثته على طريق زراعي، وأشارت التحقيقات إلى أن الجاني كان يعاني من ضغوط نفسية ومشكلات شخصية.
مأساة السلام “2022” الإدمان يحول الابن إلى قاتل
وفي منطقة السلام بالقاهرة، قام شاب بقتل والدته بعد أن رفضت إعطاءه مبلغًا من المال لشراء المخدرات، وبمواجهة المجني عليه اعترف بارتكاب الواقعة، وأنه وقف أمام والدته يطالبها كما اعتاد بمبلغ من المال ليشتري جرعته المعتادة لكنها رفضت.
وتحول الرفض إلى شجار، وفي لحظة غضب أخرج سلاحه ووجه نحوها مهددًا ظنًا منه أنه بذلك سيجبرها على الاستسلام لرغبته، لكن الأمور خرجت عن السيطرة، وانزلقت يده واخترق السلاح عنقها، حيث تعكس هذه الجريمة تأثير الإدمان على سلوكيات الأبناء تجاه والديهم.
جريمة الخانكة “2023” حب يتحول إلى غضب قاتل
وفي أغسطس 2023، شهدت منطقة الخانكة بمحافظة القليوبية جريمة مروعة حيث أقدم شاب يُدعى “طه.س.ح”، يعمل سائقًا، على قتل والدته “فاطمة. م.”، التي كانت محفظة للقرآن الكريم، ووفقًا لتحقيقات النيابة العامة، فإن الدافع وراء الجريمة كان رفض الأم لزواج ابنها من فتاة معينة، مما دفعه للتخطيط لقتلها.
أصوات من الشارع.. لمعرفة السبب الخفي لتلك الجرائم
ومن خلال الحديث مع بعض المواطنين تنوعت آرائهم، فقالت “ماجدة النجدي”، معلم خبير دراسات إسلامية وعربية: “غالبًا بيبقوا مدمنين، مش دايمًا طبعًا، أو بيكون عندهم حاجة مالية هستيرية جدًا، وكمان المشاكل بين الأهل بتزيد الموضوع، مضيفة إن الضغوط النفسية والمشاكل العائلية تكون سبب رئيسي في تصاعد العنف، ومع ازدياد هذه المشاكل بيظهر العنف في أسوأ صورة، وهي الجريمة اللي بنشوفها”.
وسائل الإعلام وتأثير العنف، هل فقدنا السيطرة
وأضاف “أيمن محمد”، معلم كبير لغة عربية: “وسائل التواصل الاجتماعي والأفلام العنيفة بتخلي الشباب يتصرفوا بطريقة مختلفة، كل اللي بيشوفوه بيأثر على تفكيرهم وتصرفاتهم، خصوصًا لو اتعرضوا لكثير من العنف أو الأفكار السلبية، بدل ما يواجهوا المشاكل بهدوء، ممكن يردوا بعنف أو يتصرفوا بطريقة مش طبيعية مع أهلهم.”
التفكك الأسري وغياب روح العائلة سبب رئيسي في تصاعد العنف
وأشار “محمد صبحي”، دكتور صيدلي: “طبعًا يوجد فرق كبير بين التربية زمان ودلوقتي، زمان مكنش في وسائل تواصل اجتماعي، وكان فيه تواصل حقيقي بين أفراد الأسرة، كل واحد كان يقعد يحكي عن يومه ويتبادل الحديث مع أهله. لكن دلوقتي، كل واحد قاعد في بيته ماسك موبايل أو متصل بالإنترنت، والناس تقريبًا مش بتتكلم مع بعض”.
مستكملًا “الولد قاعد في أوضته ومش هيخرج إلا لو النت قطع، وده ممكن يكون بسبب حاجات زي التوحد أو الاكتئاب، زمان كان فيه نظام، زي وقت معين يناموا فيه، مفيش نت ولا تلفزيون، والكل يقعدوا مع بعض ويتكلموا، لكن دلوقتي بقت الأسر شبه مفككة، وصعب تلاقي حالات زي زمان لما كانوا قريبين من بعض.”
هل تقوم المؤسسات التعليمية والدينية بواجبها في توجيه الأجيال
وأوضحت “سلمى هاني”، طالبة في كلية الزراعة: “أكيد المؤسسات التعليمية والدينية ليها دور كبير في الحد من الظاهرة دي، لكن بصراحة يعني في ناس كتير مش مهتمين بالتربية الجيدة أو بتعليم أبنائهم صح”.
غياب العقاب الرادع هل التساهل يزيد من خطورة الظاهرة
يرى “علي محمود” يرى أن التساهل في تربية الأبناء قد يكون سببًا في تصاعد العنف داخل الأسر، قائلًا: “زمان كان للأب والأم هيبة، أما دلوقتي كتير من الأبناء بيكبروا بلا توجيه حقيقي، وده بيخليهم أكثر تمرد وأقل احترام للسلطة الأسرية.”
قد تبدو هذه الجرائم فردية في ظاهرها، لكنها في حقيقتها جرس إنذار يدق بقوة، يكشف عن خلل عميق في المنظومة الأسرية والمجتمعية، عندما يتحول البيت من مكان آمن إلى ساحة صراع، وعندما يصبح الابن الذي كان يومًا بين يدي والديه قاتلًا بدم بارد، فلابد أن نقف ونسأل، كيف وصلنا إلى هنا.