تحقيق – روفيدا يوسف
مع دخول فصل الشتاء يعاني الكثيرون من تغيرات مزاجية حادة، تتراوح بين الحزن العابر والاكتئاب العميق، يُعرف هذا الاضطراب باسم “الاضطراب العاطفي الموسمي” وهو شكل من أشكال الاكتئاب يرتبط بتغير الفصول، خاصةً في الشتاء، فما أسباب هذه الحالة، وكيف يمكن التعامل معها، وهل هناك عوامل وراثية تلعب دورًا في هذه الظاهرة.
ماهو الاضطراب العاطفي الموسمي
الاضطراب العاطفي الموسمي “SAD” نوع من الاكتئاب يرتبط بتغير الفصول، حيث يعاني المصابون به من تغيرات مزاجية وانخفاض في الطاقة مع بداية فصلي الخريف والشتاء، مما قد يؤثر على حياتهم اليومية، وعادةً ما تتحسن الأعراض تدريجياً مع دخول الربيع والصيف، حيث تزداد فترات التعرض لأشعة الشمس.
أعراض الاضطراب العاطفي الموسمي
الشعور بالحزن والكآبة، وفقدان الاهتمام أو الاستمتاع بالأنشطة المعتادة، وتغيرات في الشهية، غالبًا بزيادة الرغبة في تناول الكربوهيدرات، اضطرابات في النوم وغالبًا بزيادة عدد ساعات النوم.
وأيضًا الشعور بالإرهاق وفقدان الطاقة رغم النوم لفترات طويلة، زيادة القلق والتوتر أو بطء في الحركة والكلام، والإحساس بعدم القيمة أو الشعور بالذنب، وصعوبة في التركيز أو اتخاذ القرارات، وأحيانًا التفكير في الموت أو الإنتحار.
بعض العوامل التي تؤدي إلى الاكتئاب الشتوي
يعتبر نقص ضوء الشمس عامل مؤثر، حيث إن انخفاض التعرض للشمس يؤثر على إنتاج الجسم لهرمون السيروتونين، وهو ناقل عصبي مرتبط بتحسين المزاج.
وأيضًا اضطراب الساعة البيولوجية، فقصر النهار وطول الليل يؤديان إلى اضطراب في إيقاع الجسم الطبيعي، ما يسبب شعورًا بالإرهاق والتوتر، ونقص فيتامين”د” فقلة التعرض للشمس تقلل من مستويات فيتامين د، وهو عنصر مهم للصحة النفسية.
وزيادة الكسل وقلة الحركة وانخفاض درجات الحرارة يدفع كثيرين إلى قلة النشاط البدني، مما يؤثر سلبًا على الصحة النفسية، وأيضًا الضغوط الاجتماعية والمادية، وفصل الشتاء يتزامن مع مواسم الأعياد والمناسبات التي قد تزيد الضغوط المالية والاجتماعية.
والتأثير الجيني تشير بعض الدراسات إلى وجود عوامل وراثية تجعل بعض الأفراد أكثر عرضة للاكتئاب الموسمي من غيرهم، وتأثير العوامل البيئية، فالعيش في مناطق ذات شتاء قارس وطويل قد يفاقم الأعراض لدى البعض.
شباب يتحدثون عن اكتئاب الشتاء.. معاناة حقيقية أم مبالغة
بعد الحديث مع بعض الشباب عن الإكتئاب الشتوي، تروي “م.أ” تجربتها مع اكتئاب الشتاء، قائلة، مع بداية الشتاء أشعر بانخفاض في طاقتي، وأجد صعوبة في التركيز، بدأت بممارسة الرياضة يوميًا والخروج في الشمس، وتحسنت حالتي تدريجيًا.
ويقول “ر.ي” أجد نفسي أكثر ميلًا للعزلة خلال الشتاء، لكني حاولت تعويض ذلك بقراءة الكتب وممارسة هواياتي المفضلة.
وتشارك “ب.م” تجربتها قائلة، لم أكن أدرك أن ما أشعر به كل شتاء هو اضطراب حقيقي حتى استشرت طبيبًا نفسيًا، الذي نصحني بالعلاج بالضوء وتغيير نمط حياتي اليومي.
وتحكي “م. ع” بالنسبة لي، اكتئاب الشتاء حقيقي خصوصًا مع الأيام القصيرة والطقس البارد، بحس دايمًا بالخمول والاكتئاب، ومفيش عندي طاقة أعمل أي حاجة، بحاول أخرج في الشمس قد ما أقدر وأشغل أضواء في البيت، لكن مش دايمًا بيفرق.
تقول “ن.أ” ببقى أقل حماسًا في الشتاء، وبتزيد عندي الرغبة في النوم والأكل، خصوصًا الحلويات، مش عارفة إذا كان ده اكتئاب شتاء ولا مجرد تأثر بالطقس، بس فعلاً الجو الرمادي بيخليني مش في أحسن حالاتي.
خبير نفسي.. الاكتئاب الوجداني مرتبط بتغير الفصول وقد يؤدي لمضاعفات خطيرة
أكد الدكتور “جمال فرويز” أستاذ الطب النفسي، أن هناك العديد من أنواع الإكتئاب، من بينها الإكتئاب التفاعلي، والإكتئاب الوجداني، واكتئاب ما قبل وما بعد دورة الطمث، واكتئاب ما بعد الولادة، واكتئاب ما بعد التقاعد، بالإضافة إلى حالات الإكتئاب الناتجة عن تعاطي بعض العقاقير.
وأوضح “فرويز” أن الإكتئاب الوجداني، المعروف أيضًا باكتئاب الشتاء، يرتبط بتغير الفصول، خاصة عند الانتقال إلى فصل الشتاء، وتتمثل أعراضه في فقدان الشغف، وانخفاض القدرة على التفكير والتركيز، والشعور بالخمول وعدم الرغبة في القيام بأي أنشطة، كما تختلف تأثيراته على الشهية والنوم من شخص لآخر، حيث يعاني البعض من زيادة الرغبة في تناول الطعام، بينما تقل شهية آخرين.

الطبيب النفسي جمال فراويز
وحذر أستاذ الطب النفسي من خطورة إهمال علاج الاكتئاب الوجداني، مشيرًا إلى أنه قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة تصل إلى فقدان الرغبة في الحياة، وإيذاء النفس، وحتى التفكير في الانتحار، وأضاف أن هذا النوع من الاكتئاب له أصول وراثية، حيث يظهر لدى الأفراد الحاملين للجينات المرتبطة به عند التعرض لمؤثرات خارجية محفزة، وهو يختلف تمامًا عن مشاعر الضيق العامة الناتجة عن الظروف الاقتصادية أو الاجتماعية.
اضطراب الهرمونات في الشتاء
يعتبر السيروتونين “هرمون السعادة”، هو ناقل عصبي يساعد في تنظيم المزاج والشعور بالسعادة، وقلة التعرض لضوء الشمس في الشتاء تؤدي إلى انخفاض إنتاج السيروتونين، مما يسبب الشعور بالحزن والاكتئاب، بعض الدراسات أظهرت أن الأشخاص المصابين بالاكتئاب الموسمي لديهم مستويات سيروتونين أقل مقارنة بغيرهم.
أما الميلاتونين “هرمون النوم” هو الهرمون المسؤول عن تنظيم دورة النوم والاستيقاظ، في الشتاء مع قلة ضوء الشمس، يزداد إفراز الميلاتونين، مما يؤدي إلى الشعور بالخمول والنعاس خلال النهار، حيث إن ارتفاع مستويات الميلاتونين يسبب اضطراب الساعة البيولوجية، مما يفاقم الشعور بالتعب وفقدان الطاقة.
الكورتيزول “هرمون التوتر” في بعض الحالات، انخفاض التعرض للشمس وزيادة الإرهاق الجسدي يؤديان إلى ارتفاع مستويات هرمون الكورتيزول، ويعد ارتفاع الكورتيزول مرتبط بالتوتر والقلق، مما يزيد من حدة الاكتئاب الشتوي.
إحصائيات حول الاكتئاب الموسمي
تشير دراسات إلى أن 10-20% من الأشخاص يعانون من أعراض اكتئاب موسمية بدرجات متفاوتة، والنساء أكثر عرضة للإصابة به مقارنة بالرجال، وحوالي 6% من الأشخاص في الدول ذات الشتاء القارس يعانون من الاكتئاب الموسمي الحاد، ويواجه الشباب نسبة إصابة أعلى مقارنة بكبار السن، وحوالي 40% ممن يعانون من الاضطراب العاطفي الموسمي لديهم تاريخ عائلي من الاكتئاب.
مبادرات وزارة الصحة للعلاج النفسي وعلاج الإدمان
أطلقت وزارة الصحة والسكان المصرية، بالتعاون مع الأمانة العامة للصحة النفسية ومنظمة الصحة العالمية، المنصة الوطنية الإلكترونية الأولى في مصر لخدمات الصحة النفسية وعلاج الإدمان، تهدف هذه المنصة إلى تقديم خدمات حكومية مجانية في مجال الصحة النفسية وعلاج الإدمان لجميع الفئات العمرية.
توفر المنصة محتوى تثقيفيًا وتوعويًا حول الصحة النفسية، بالإضافة إلى خدمات الإستشارات والدعم النفسي عبر العيادات الإفتراضية، مع الحفاظ على سرية الجلسات، يأتي إطلاق المنصة في إطار جهود وزراة الصحة لتوسيع نطاق خدمات الصحة النفسية وجعلها متاحة للجميع.

الاكتئاب الشتوي
طرق التعامل مع الاكتئاب الشتوي
التعرض لأشعة الشمس ومحاولة قضاء وقت أطول في الأماكن المفتوحة خلال النهار، وأيضًا ممارسة الرياضة تساعد التمارين في تعزيز إنتاج هرمونات السعادة، والتغذية الجيدة وتناول أطعمة غنية بفيتامين د وأوميغا 3، والتفاعل الاجتماعي والحفاظ على علاقات اجتماعية نشطة لتجنب العزلة.
العلاج بالضوء واستخدام مصابيح العلاج بالضوء لتعويض نقص الشمس، واستشارة طبيب نفسي في الحالات الشديدة، يجب اللجوء للعلاج النفسي أو الدوائي عند الحاجة.
وضع خطط يومية وتحديد أهداف يومية حتى لو كانت بسيطة يمكن أن يساعد في تحسين الشعور بالإنجاز والتغلب على الإحباط، الاسترخاء والتأمل وممارسة اليوغا أو تمارين التنفس العميق يمكن أن تقلل من القلق والتوتر.
في النهاية، قد يجلب الشتاء معه برودة الطقس وثقل المشاعر، لكنه لا يجب أن يسلبنا دفء الحياة، فالإكتئاب الشتوي ليس نهاية الطريق، بل مرحلة يمكن تجاوزها بالوعي والدعم النفسي والبحث عن مصادر الضوء، فحتى في أكثر الأيام رمادية، هناك دائمًا فرصة لربيع جديد داخل النفس.