تحقيق ـ بسمة البوهي
يعد لقب العنوسة أسم يطلق علي النساء التي لما تتزوج بعد سن معين مع إختلاف تحديد السن في القرى أو المدن، وفي عالمنا يدل هذا اللقب علي العجز أو النقص، ولكن مع تغير الزمن ومرور الأيام أصبحت نقطة إنطلاق قوية، حيث أصبحت المرأة كل ما يشغل تفكيرها هو تحقيق ذاتها، ولا ننكر أن المجتمع لا يزال يحمل تصورات تقليدية تحصر قيمة المرأة.
وتثبت كثيرًا من النساء أن الزواج ليس إنجاز وتحقيقاً للذات وأنه ليس مجرد خاتم في الأصبع، بل هو مسؤولية وضغط ويحتاج إلى الفراغ التام، فلهذا أختارت الكثير من الفتيات رسم حياتها في تحقيق شخصيتها ومكانتها في المجتمع قبل الزواج.
رأي المواطنين في هذه القضية
تقول (هبة محمد) ” العنوسة مفهوم خاطئ بالنسبة للكثيرين، لأن من الممكن أن تتزوج الفتاة في سن 18 سنة، أو في سن 25 سنة وتصل إلي سن الـ40، وتتزوج وذلك أكبر دليل علي أن هذا المفهوم غير صحيح”.
وتؤكد (وسام السيد) “من الممكن أن تتأخر البنات في الزواج لتحقيق ذاتها، لأنها ترى أن تحقيق الذات أهم وبناء المستقبل له الأولوية من الزواج، وأن الزواج أمر طبيعي سوف يحدث اليوم أو غدًا، ولكن تحقيق الذات مرة واحدة ولا تتكرر ألا في بعض الأحيان، وهناك من يرى أن الزواج أولاً ثم تحقيق الذات حتي لا يسرقها العمر بدون شريك الحياة وتبقى بمفردها، وأيضاً لتشجيعها لتحقيق النجاح وحتي تشعر بحلاوة الإنجاز”.
وتوضح (سما أحمد) “أن في الأرياف تحديداً تكثر لقب «عانس» لأن إذا أصبحت البنت في سن الـ 20 ولم تكون متزوجة أو مخطوبة يطلقوا هذا اللقب، وليس ذلك فقط بل إذا أصبحت البنت متزوجة في هذا السن تبدأ نظرات الشفقة وتكثر جملة «أنتِ لية مستعجلة تشيلي الهم» وفي وسط هذا الصراع نكتشف أن الانسان متناقض وليس له قواعد يسير عليها، وأن طبيعة الإنسان ناقض إذا كان في الصواب أو الخطأ”.
وتضيف (أميرة تامر) ” لا أحد مقتنع بحاله وبحياته، لأن الإنسان بطبعه طماع يريد كل شئ مثل تحقيق الذات وتكوين أسرة، وخصوصاً هذا الزمن أصبح مخيف حيث أن البنات تضع مواصفات خيالية وتكاد تكون مستحيلة في الشباب، لأن لا يوجد أنسان كامل وخالي من العيوب”.
وتتابع أن المشكلة ليست هنا فقط، بل أن الفتيات تتخيل فارس أحلامهم مثل الروايات أو المسلسلات التي أصبحت منتشرة في هذا العصر، فلهذا تتأخر في الزواج بحجة أنها لم تجد الشخص المناسب، ونستنتج أن المشكلة في تفكير ومعتقدات معظم البنات.
تجمعت أراء الناس على أن لقب “عانس” ليس له معنى ولا شروط، لأنه يعتبر وجهات نظر وإختلاف زوايا التفكير من حيث بناء المستقبل و الإستقلال الذاتي وبناء الشخصية عموماً، والبعض الآخر يرى أن الزواج أولاً وبناء أسرة مستقرة وجيدة وبعدها بناء المستقبل حتي تشعر بطعم النجاح الحقيقي.
رأي الدكتور النفسي في هذه القضية
أشار الدكتور “عاطف الشوبكي” دكتور الصحة النفسية، بداية الإنسان كائن إجتماعي بمعنى أنه طيلة حياته من الميلاد حتى الممات يحتاج إلى غيره، من أب وأم وأخوة وأصدقاء وزملاء والزواج، وبالتالي فإن الإستقلال الذاتى التام بمعنى التخلى عن علاقة الحب عمومًا والزواج خصوصًا، مخاطرة جسيمة تضر غالبًا بالنفس والجسد، ولأن الإنسان رغم ما يتمتع به من ملكات عديدة ضعيف، لأن تلك الملكات بعضها يتضاد مع الآخر كوجود عضلات للإنقباض وأخرى للأنبساط، ولكن فى تدرج إحتياجات الشخص يأتى الحب والقبول، وبعده الأمن والإحتياجات الضرورية من مأكل ومشرب.

الدكتور عاطف الشوبكي طبيب نفسي
ويتحدث الدكتور النفسي عن المقومات المطلوبة للزواج، قال تعالى ممتنًا على عباده بنعم كثيرة فى الزواج “ومن آياته أن خلق لكم من انفسكم أزواجاً لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون” فمن نعم الله أن شرع الزواج الناجح، مشتملًا على الأمن والطمأنينة الذى يتيح الإشباع الغريزي بما لا يضر وبما يجعل الإنسان ينفس عن تلقائيته دون خوف أو تملق، ويكون بينهم حب قلبى متبادل فى العطاء من الطرفين بما يناسب جنسه، وأن الزواج عقد ليس كبقية العقود التي بها بنود صارمة لا بد من تنفيذها وإلا تعرض للعقوبة القانونية، ولكنه بطبيعته يشتمل على الرحمة لمن تعثر أو لم يستطع أن يفى بما عليه رغمًا عن إرادته.
أسباب تأخير الزواج من وجهة نظر الطب النفسي
يؤكد “الشوبكي” أن الإنسان قد يتخلى معانيًا معاناة كبيرة عن الزواج وتأخيره حتى يؤمن نفسه صحيًا و إجتماعيًا وماديًا قبل الشروع فى الزواج، وقد يتأخر نتيجة لأن الإنسان لا يريد الدخول فى علاقة مليئة بالإلتزمات والتحديات إما نكوصًا إلى مراحل بإكرة من الطفولة والمراهقة، أو أنه أدمن الأعتمادية على الغير من أب وأم.
ويضيف أن التأخر الناتج عن الثقافة بأن يريد كل شخص أن يجد من يدرس شخصية من يختاره ويعرف مدى مناسبتها له من عدمه، و بالطبع هذا كلام صعب يضيع معه العمر فمن يناسب اليوم قد لايكون كذلك غدًا بسبب التغيير الذي يحدث بين كون الفرد وحيدًا وكونه ملتزمًا إتجاه طرف أو أطراف أخرى كالزوجة والأولاد، فتغيير نمط الحياة قد ينتج معه تفاعل غير مرغوب من أحد الطرفين، فالرومانسى الحالم يصبح مصارعًا للحياة من أجل توفير وتدبير أحتياجات الأسرة وهكذا، ولنا مع الزواج إحتمالات منها أن يستقل كل شخص بنفسه كما لو كان دائرة بعيدة ومنعزلة عن الآخر.
ويتابع الدكتور النفسي إما أن يسيطر أحد الزوجين على الآخر تمامًا يعرف كل شاردة وواردة ولايترك له مجالًا للتنفس بعيدًا عنه، وكلًا السابقين هى علاقات مريضة تخنق الأسرة وتهدد بفشلها، أو يكونا كدائرتين متقاطعتين يشتركان معًا فيما يخص الأسرة ويدعمها، ويترك كل طرف للأخر قرارته فيما لايضر الأسرة، كالعمل فهو مرتبط بقواعد العمل، أو العلاقة بالأهل فالزوج أو الزوجة قد يحتفظ أحدهما بأسرار أو قرارات تخص والد أحدهما أو الأخوة له وهذا لا يضر الزواج.
ويستكمل قال تعالى “إمرأة نوح وإمرأة لوط وإمرأة فرعون” الزوجين هنا مختلفين فكريًا وعقائديًا مما يتولد معه سلوك يناسبه يجعل الآخر فى معاناة ورفض، ولكنه يحافظ على الزواج لإشباع الرغبة الغريزية، بينما مع سيدنا إبراهيم عليه السلام وزوجه سارة “قالت أءلد وأنا عجوز وهذا بعلى شيخًا إن هذا لأمر عجيب” وكما ذكرنا أنه من الطبيعى أن يتأخر سن الزواج لأسباب مادية وإجتماعية ونفسية من النضج المطلوب، فعلى الإنسان عندما لايستطيع الزواج أن يتسامى فوق رغباته وأن ينفس عن طاقته المكبوتة فى أعمال روحية كالصيام أو فنون مثل الرسم والأدب والشعر أو رياضة، أو أن يضع خطة قابلة للتنفيذ ولو بعد حين و يتولد عن العنوسة أمراض ولذلك عند الفقهاء يكون الزواج “واجبًا” عند من يحتاج إلية ويقدر على مؤنته.
أسباب العنوسة في الأرياف
تعد العنوسة في الأرياف مشكلة كبيرة لأنها تخالف العادات والتقاليد، التي تنص على أن البنت لابد أن تتزوج في سن معين ولا تتخطاة، ولكن في الفترة الأخيرة تغير هذا المفهوم في بعض القرى، وأصبحت البنت تفضل إستكمال تعليمها اولًا ثم التفكير في الزواج، وهذا جعلها تتقدم في العمر ومثلما يقولون “فاتها قطر الزواج”.
أسباب العنوسة في المدن
يمثل التقدم في العمر بدون زواج عند النساء في المدن أمر عادي، لأنها تؤجل فكرة الزواج بسبب تعليمها أو لإثبات نفسها في عملها، وأيضًا في المدن يعد الزواج إختياري وليس إجباري مثل الأرياف، وكذلك الفتيات في المدن تكون متفتحة مما يجعلها تضع مواصفات عالية لفتى أحلامها ويضيع عمرها في الأحلام والخيالات.
نسبة العنوسة في مصر
بلغت نسبة العنوسة حوالي 4.2% في المدن، مقابل 2.6% في الارياف ،وهذا بسبب إرتفاع مستوى التعليم في المدن عن الأرياف حيث تأجل الكثير من الإناث فكرة الزواج لحين الإنتهاء من مرحلة الدراسة في الجامعه، والبعض الآخر يؤجل لإنتهاء من الدراسات العليا كالماجستير والدكتوراة.
يعد الزواج هو الوسيلة الوحيدة لتكوين الأسرة وتوليد الإستقرار الأسري، وهذا يؤدي إلى تكوين روابط جديدة وتوسيع دائرة القرابة، ويعمل على تقوية الروابط الأجتماعية ويسهم في تفعيلها، ولكن مع تغيرات الظروف الإقتصادية والإجتماعية التي فرضت خطرًا يلاحق الشباب والبنات التي أدت إلى التأخير في الزواج.
ونكتشف أن نسبه العنوسة كثرت بسبب عدم الإلتزام بمبادئ الشريعة الأسلامية، وأن مصاريف الزواج أصبحت بأرقام خيالية تجعلهم مديونين لعدة سنوات بعد الزواج، فلهذا يجب تسهيل الأمور على الشباب، ويجب على البنات تخفيض طموحاتها المستحيلة أو الخيالية ومن هذا سوف تقل العنوسة.
وتبرز هذه الأيام معلومات مهمة، وهي أن الشباب تتزوج الفتيات الصغيرة في السن وهي التي لم تتجاوز الـ 25، وعلى الرغم من أن البنات التي تتجاوز هذا السن تكون لديها خبرة في الحياة والمعيشة، وتفكر بمنطقية أكثر وتكون على دراية بالحياة عمومًا، فلهذا السبب تتزايد نسبة العنوسة.
وفي النهايه ستظل العنوسة قضية ذات أبعاد متعددة ومتداخلة، فإن البعض يراها عقبة ومشكلة والبعض الآخر يراها إختيار، وسيبقى الأهم هو قدرة الإنسان على تحقيق ذاته وأتخاذ قراراته بحرية بعيدًا عن الضغوط الإجتماعية، سواء كان الزواج خطوة في طريق الإستقلال أو قرار مؤجل، فالنجاح الحقيقي يكمن في التوازن بين الطموح الشخصي والتوازن الإجتماعي، وسيبقى السؤال هنا هل ما زال يُنظر للمرأة الغير متزوجة أنها مقصرة في دورها، أم أن الزمن نصرها عن طريق تقديرها لإختياراتها الفردية.