تحقيق – إيمان أشرف
يعد اضطراب الطعام من المشكلات الصحية والنفسية التي تهدد حياة الإنسان، ففي ظل انتشار “الأنفلونسر” الذين يروجون لاتباع معاير الجمال والحفاظ على وزن الجسم، حدث اختلاط بين الحصول على جسد مثالي واضطراب الطعام، حتى أصبح من أكثر القضايا المعقدة في عصرنا الحالي، فيمثل الاضطراب خلل واضح في علاقة الإنسان بالغذاء، مما يؤدي إلى تأثيرات خطيرة تمتد لتشمل الجسد والعقل معًا، ومن هنا تبرز أهمية هذا الموضوع، لفهم أسباب، واضرار، وطرق الوقاية والعلاج من تلك الاضطرابات؛ حفاظًا على وجود علاقة متوازنة بين الإنسان وغذائه.
ماهو اضطرابات الطعام وأنواعها
يعتبر اضطراب الطعام أحد أهم العوامل والمؤشرات المهمة التي يجهلها الإنسان، فهو لم يتوقف على فقدان الشهية فقط، بل هو مرض نفسي يؤثر على طريقة تعامل الشخص مع الأكل والجسم والوزن، أي أن يكون الفرد المصاب يكون لديه أفكار وتصرفات غير طبيعية تجاه الطعام، تجعله يأكل قليلًا لدرجة تضر صحته، أو العكس، والأكل بشراهة في وقت قصير وبطريقة خارجة عن السيطرة، تسبب السمنة المفرطة، مما يعتمد الجسم على التخلص من الأكل بعد تناوله عن طريق القيء، أو استخدام الملينات.
ويأتي فقدان الشهية العصبي “Anorexia Nervosa”، من أهم أنواع اضطرابات الطعام الرئيسية، حيث يرفض الشخص الأكل خوفًا من السمنة، حتى لو وزنه قليل جدًا، أو الإصابة بـ الشره المرضي العصبي “Bulimia Nervosa”، مما تجعل المصاب يأكل بكميات ضخمة، ثم يتخلص منها عن طريق القيء، أو الملينات، أو الصيام، أو الرياضة العنيفة، أو الإصابة بـ نهم الطعام “Binge Eating Disorder”، الذي يجعل الفرد يأكل كميات ضخمة جدًا، في وقت قصير بدون تحكم، وغالبًا لا يتخلص من الأكل بعدها، مما يسبب السمنة والشعور بالندم.
أسباب اضطراب الطعام وعلاقته بـ الصحية النفسية لدى الإنسان
يشكل القلق والتوتر المستمر من أهم الأسباب النفسية التي تسبب اضطراب الطعام، حيث يلجأ الأشخاص للأكل المفرط، أو الإمتناع عن الطعام للهروب من مشاعر القلق، أو الضغوط اليومية، ويصبح الأكل وسيلة للراحة النفسية المؤقتة، أو الاكتئاب، أو تدني تقدير الذات وضعف الثقة بالنفس، أو الوسواس القهري “OCD”، حيث يعاني بعض المرضى من أفكار وسواسية عن الطعام، أو السعرات الحرارية، التي تجعلهم يتصرفون بطريقة غير طبيعية عن الطعام.
ومن الأسباب الاجتماعية، ضعف المجتمع ومعايير الجمال، وذلك عن طريق وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث تقدم صورة مثالية للجسم النحيف أو العضلي، مما يجعل البعض يشعرون بعدم الرضا عن أجسامهم، بالإضافة إلى التنمر والسخرية من الشكل، أو الضغوط الأسرية، مثل تعليقات الأهل على وزن الأبناء، أو مقارنتهم بالآخرين، مما يدفعهم للسيطرة المفرطة على الأكل والعكس صحيح.
أما من الناحية البيولوجية والجينية والسلوكية، فيكون عن طريق الوراثة، أو اختلال الموارد الكيميائية في المخ، أو التغيرات في مراحل معينة، كـ انقطاع الطمث، أو سن المراهقة، أو الحمل، أو الولادة، أو اتباع أنظمة غذائية قاسية لفترات طويلة، أو تناول الطعام كوسيلة للهروب من المشاعر.
من أنيميا لـ فشل عضوي.. أضرار اضطراب الطعام على جسد وعقل الإنسان
ويعتبر اضطرابات الطعام أمر خطير، لأنه يؤثر على الجسم، من حيث ضعفه، ومشاكل القلب، وسمنة، ونقص الفيتامينات، أما من الناحية النفسية، فيؤدي إلى القلق والاكتئاب، وعزلة، وفقدان الثقة بالنفس، أما من الناحية الاجتماعية، ينتج عنه بُعد المصاب عن الناس لكي يخفي عاداته، وسيتم تناول ذلك بالتفصيل في السطور التالية.
يؤثر اضطراب الطعام على جسم الإنسان بطريق مباشرة، حيث يقوم الجسد بإعطاء إشارات لوجود خلل بعضو ما، وذلك عن طريق عدة طرق، ومنهم فقر الدم “أنيميا”، وضعف عام، وسقوط الشعر، وتقصف الأظافر، وهذا بسبب نقص الفيتامينات والمعادن التي يحتاجها الجسم مثل البروتينات، والحديد، والكالسيوم، أو ضعف جهاز المناعة لدى الفرد، مما يعرضه للأمراض والعدوى.
بالإضافة لمشاكل القلب، كـ اضطرابات ضربات القلب، وضعف عضلة القلب، انخفاض ضغط الدم، وخطر الإصابة النوبات القلبية، أو حدوث مشاكل في الجهاز الهضمي، مثل إمساك شديد، ومشاكل في المعدة والأمعاء، وارتجاع المريء، وألم في البطن، أو حدوث اضطرابات هرمونية، وضعف نمو العظام، مما يزيد من خطر الإصابة بهشاشة العظام، والكسور بسهولة.
بالإضافة إلى حدوث أضرار نفسية وعقلية، مثل الاكتئاب الحاد، حيث يشعر المريض بالحزن المستمر، وفقدان الأمل في الشفاء، أو الإصابة بالوسواس القهري، عن طريق الخوف من الأكل أو من زيادة الوزن، أو العزلة الاجتماعية للمريض؛ للابتعاد عن الناس خوفًا من الأكل أو حكم الناس عليه، وضعف الثقة بالنفس بسبب شكل جسده ووزنه.
علاوة على ذلك حدوث أضرار على المدى الطويل، ومنها مشاكل في القلب والأوعية الدموية، مما تضعف عضلة القلب، وتزيد خطر الإصابة بجلطات أو نوبات قلبية، أو ضعف وفشل ظائف الكلى والكبد، بسبب تراكم السموم في الدم، أو حدوث العقم وضعف الخصوبة، وسقوط الأسنان، وضعف الذاكرة والتركيز، والوفاة في الحالات الشديدة.
اضطراب الطعام من وجهة نظر الطب النفسي
وأوضحت الدكتورة “هاجر عون” أخصائية الطب النفسي والإدمان بمستشفى العباسية، أن المخاوف المرتبطة باضطرابات الطعام تختلف باختلاف نوع الاضطراب نفسه، وعلى سبيل المثال اضطراب فقدان الشهية العصبي يرتبط بخوف شديد من اكتساب الوزن، حيث يرى المصاب نفسه ممتلئ الجسم، رغم كونه يعاني من نقص الوزن مقارنة بطوله، وذلك الاعتقاد الخاطئ يولد لدى المريض صورة مشوهة عن جسده، وهي حالة معروفة في الطب النفسي باسم “تشوه صورة الجسم”.

الدكتورة “هاجر عون” أخصائي الطب النفسي بمستشفى العباسية
وأشارت “هاجر عون” إلى”تسوه صورة الجسم”، قائلة: «هذه النظرة غير الواقعية، تدفع المريض إلى تجنب الطعام تمامًا؛ خوفًا من زيادة الوزن، وغالبًا ما تكون اضطرابات الطعام عرضًا لمرض نفسي آخر، وليس مجرد حالة قائمة بذاتها، وفي كثير من الأحيان يعاني مرضى اضطرابات الطعام من مشكلات نفسية أخرى، ترتبط بشكل وثيق باضطرابات الأكل».
واستكملت “هاجر عون” حديثها، معلقه: ” يؤثر اضطراب الطعام على الجسم بشكل شامل، وليس على مستوى الصحة النفسية فقط، حيث يتسبب في مشكلات صحية خطيرة قد تصل إلى حد تهديد الحياة، ومن الأعراض الأكثر شيوعًا الجفاف والأنيميا الحادة”.
وتابعت “عون” حديثها، مشيرة إلى أن قد يؤدي اضطرابات الطعام إلى توقف تام لأي عضو من أعضاء الجسم، وهي حالة تعرف طبيًا بـ “نهاية فشل العضو”، وتحدث هذه الحالة عندما يفقد الجسم قدرته على تزويد الأعضاء بالعناصر الغذائية اللازمة للحياة، مما يؤدي إلى موت العضو، وقد يصل الأمر إلى توقف القلب نفسه، بالإضافة إلى أن اضطرابات الطعام يمكن أن تؤثر على القدرة على الإنجاب لدى النساء، كما أنها تقلل من خصوبة الرجال، بالإضافة إلى هشاشة العظام.
أبرزها العلاج النفسي.. طرق علاج اضطراب الطعام
يعد العلاج النفسي الأهم والأساسي في ضبط معدل الإصابة بـ اضطرابات الطعام، حيث يساعد المريض على تغير أفكاره السلبية تجاه الجسم والاكل، ويعلمه عادات صحية جديدة في التعامل مع الطعام، عن طريق العلاج السلوكي المعرفي “CBT”، بالإضافة إلى جلسات نفسية فردية أو جماعية؛ لدعم المريض للتعبير عن مشاعره ومخاوفه، ومشاركة التجارب مع آخرين يعانون نفس الاضطراب، بالإضافة إلى العلاج الغذائي، حيث يتم وضع خطة غذائية مناسبة بالتعاون مع اخصائي تغذية، والعلاج الدوائي إذا لزم الأمر، لضبط المزاج، أو لتحسين الشهية.
أهمية دور الأسرة للوقاية من اضطرابات الطعام
يجب نشر الوعي بين الناس للوقاية من الإصابة بـ اضطرابات الطعام، خاصة الأطفال والمراهقين، وذلك عن طريق نشر ثقافة حب الذات، وتقدير الجمال الطبيعي، والاهتمام بالتغذية السليمة، وذلك عن طريق تقديم واجبات متوازنة، وتجنب عمل رجيم قاسي بدون استشارة الطبيب، وعدم ربط الأكل بالعقاب أو المكافأة.
وذلك بجانب الدعم الأسري النفسي والعاطفي، وتعليم الأطفال والشباب طرق صحية للتعامل مع التوتر مثل الرياضة، والهوايات، والقراءة، ومراقبة تأثير السوشيال ميديا، والتنبيه أن الصور على السوشيال ميديا غالبًا غير واقعية أو معدلة بـ “الفلاتر”، وتشجيع متابعة الحسابات التي تروج لصورة صحية، ومتنوعة للجمال والجسم.
وبذلك لا يعد اضطراب الطعام مشكلة عابرة، بل هو مرض يحتاج إلى وعي وعلاج من الناحية الجسدية والنفسية، خاصةً بين الأطفال والمراهقين، فهو ليس خلل بالطعام فقط، بل انعكاس لمشكلات نفسية تحتاج إلى تدخل مبكر لحلها، فكلما تم اكتشاف الاضطراب مبكرًا، كلما زادت فرصة الشفاء وعودة الشخص لحياته الطبيعية.
ومن هنا يأتي دور الأسرة بالإنتباه على كل فرد بها، لأي تغيرات غير طبيعية قد تطرأ في سلوك الطعام، والسعي لطلب المساعدة الطبية المتخصصة، حفاظًا على صحة وسلامة أفرادها.