نحقيق – آلاء هشام
بعد غروب الشمس وبحلول الظلام، تسمع نداءً بأسمك، صوت أنثوي عذب لم تسمعه قط، أهو صوت حورية؟، تلتفت بإتجاة الصوت فترى أجمل فتاة رأيتها طيلة حياتك، جالسة على ضفاف النيل، تاركة شعرها الناعم الأسود الطويل منسدلًا على كتفيها، هل ستلبي نداء هذه الجميلة.
إن كانت إجابتك نعم، فهنيئًا لك عند اقترابك منها رؤية وجه دميم لمخلوق مرعب، لن تنساه ما حييت، ذلك إن حييت، وإن كانت إجابتك الهروب من أمامها، فقد يكون كتب لك عمر جديد، الآن هل أصبح الأمر واضحًا أمامك أم مازال حديثًا مبهمًا.
إن كنت تراه حديثًا مبهمًا فستتعرف اليوم على “النداهة”، ومن منا لم يسمع قصصًا عنها، منذ أن كنا صغارًا!، “النداهة” هى أسطورة مصرية، منتشره في الريف وخصيصًا في الأراضي الزراعية أو قناوات النيل “الترع”، وهى عبارة عن روح أنثى شديدة الجمال، شعرها طويل، صوتها عذب، وكأنها حورية من الجنة.
وعند دخول الليل تقوم “النداهة” بمناداة ضحيتها، قد تكون الضحية امرأة أو رجل، وإذا استجاب لها واقترب منها يتغير وجهها الملائكي ويرى مخلوقًا مفزعًا، وقد تنهي “النداهة” حياته في الحال، أو في بعض الأحيان يغيب أيام عن عائلته، وعقب ذلك يعود، لكن بنسخة جديدة منه، فيعود صامتًا، منذهلًا، بعقلٍ مشتت، وبعد بضعة أيام يلفظ أنفاسه الأخيرة ويتوفى.
ولكن في بعض الأحيان يستطيع البعض الهروب منها، ليقصوا علينا ما رأوه من أهوال، وخلال حوارات صحفية أجراها موقع وجريدة الأنباء المصرية، استطعنا أن نرصد عددًا من روايات الناجين من “النداهة”، والجدير بالذكر أن صحة الرواية من عدمها هى مسؤلية الذي يرويها.
يقول “محمد هيثم” أن لديه جار صوته ليس طبيعيًا، ففي الصغر عندما قام بالسؤال لماذا صوت جاره يبدو على هذا النحو، أجابوه الجيران أنه يومًا من الأيام كان يصتاد في وقت متأخر جدًا، متكئًا على شجرة، ثم ظهرت له “النداهة” وقامت بمناداته.
وقد عرف جاره أن هذه هى “النداهة”، فأخذ يصرخ في وجهها بشدة، واستمرت هى بالمناداه عليه، وهو يصرخ في وجهها بأعلى صوت، واستمر الوضع هكذا حتى تقطعت بعض من أحباله الصوتيه، ثم سمع صراخه صديقه الذي كان يجلس بعيدًا عنه، وهرول إليه وقام بإفاقته، ولهذا السبب يبدو أن صوته به خلل حتى الآن.
كما تقول “إيمان أشرف” أن منذ زمن في قرية ريفية كانوا سكانها يذهبون إلى الترعة، ليملؤون المياه ويغسلون الصحون وأمورًا من هذا القبيل، وذات مرة رأت فتاة امرأة لم تراها من قبل ذاهبه إلى الترعة، مرتديه عباءه سوداء، وكانت تحاول تغطية وجهها، فلم يكن ظاهرًا بشكل واضح.
وقامت الفتاة بالمشي مع المرأة الغريبة، وكان ينتابها شعورًا من القلق نحوها، ولم تكمل ما كانت ذاهبه إلى الترعة من أجله، وعادت إلى بيتها مسرعه، وفي اليوم التالي، شعرت الفتاة بالخوف وقررت البقاء في البيت وعدم الذهاب إلى الترعة، لتجد أن المرأة الغريبة تطرق بابها.
وعند ذهاب الفتاة لفتح الباب، رأت من أسفل الباب ظل حوافر لأرجل تشبه أرجل الماعز، ثم تكلمت المرأة الغريبة وقالت لها أفتحي فأنا المرأة التي كانت بصحبتك البارحة، لم لم تأتي اليوم؟، ردت الفتاة قائله: “مش هروح امشي”، فردت المرأة قائله: “طب إفتحي جيبي كباية مايه أشرب”.
وردت الفتاة قائله لا لن أفتح أرحلي، لتجد صوت المرأة تغير وظلت تطرق الباب، ولكن صوت طرق الباب كان أشبه بطرق حوافر ماعز على الباب وليس صوت طرق يد بشرية، فأحضرت الفتاة ملح وظلت ترميه على الباب ومن تحته، وبدأت تقرأ آيات من القرآن الكريم، حتى صرخت المرأة وقالت لها أصمتي أنا لن أتركك، وأصبح صوتها أجش ومخيف، وبعد ملاحظة الناس لوجود هذه المرأة الغريبة، اختفت ولم يبقى لها أثرًا.
وفي رواية مماثله تقول “سميرة أحمد” أن سيدة تدعى “ليندا عادل” من سكان قريتها، كانت متقدمه في السن، كما أنها كانت تعيش وحدها في منزل أمام “المضيفة” وهى مكان في القرية يقام فيه حفلات الزفاف أو العزاء، وفي الناحية الأخرى من المنزل كان يوجد حقل واسع، فكان منزلها يبعد عن منازل السكان بالمنطقة.
وأكدت “سميرة أحمد” أن الجميع بالقرية يعلم أن “النداهة” تسكن في “المضيفة”، كما قالت أن “ليندا عادل” قصت قصتها على جيرانها في القرية، حيث روت أنها في كل ليلة كانت تخرج “النداهة” من المضيفة، في وقت متأخر جدًا من الليل وتطرق بابها وهى تقول بصوت يجعل قلبها يرتجف خوفًا “افتحي يا ليندا”، ولكنها لم تفتح لها الباب قط، وعندما كانت تنظر خلسة من فتحة صغيرة بالشباك، كانت ترى هالة سوداء كبيرة، تنتظرها خارجًا أمام الباب.
كما روت “إيمان أشرف” رواية حدثت لأحد أقاربها، فقالت أنه كان صديقًا للنداهة، كانت تظهر له وتأخذ منه الطعام والمال، وكانت تعيش في ترعة تطل على منزله مباشرة، وتشير إلى أن خلف هذه الصداقة حب “النداهة” له.
وبدلًا من أن تسحر له “االنداهة” وتنهي حياته، طلبت منه الزواج في عالمها، لكن رفض خوفًا على حياته، وعرض عليها أن يصبحوا أصدقاء سرًا، وتعهد لها أنه لن يخبر أحدًا بالأمر، فمن شدة حبها له وافقت على هذا العرض، وكانت تتنكر وتأتي له ليلًا لطلب المال والأكل منه.
بينما على الجهة الأخرى كان يحاول أحد أقاربه إثبات أن “النداهة” ما هى إلا أسطورة، فكان يمر كل يوم ليلًا على الترعة ويقول بصوت عالي: “تعاليلي يانداهة”، وفي مرة من المرات ظهرت له “النداهة” بالفعل، وقامت بإغراقة في مياه الترعة، ليجد أهله جثمانة يطفوا فوق وجه الماء، وحينها كان يعرف الجميع أن “النداهة” هى سبب غرقة.
فما كان بصديقها الا أن يقرر إنهاء صداقتهم، وذلك رغم أنها حاولت التبرير لنفسها لكن بالطبع دون جدوى، ذلك الحادث كان بمثابة إفاقة له أن هذه صداقة مستحيله، فقال في نفسه أي صداقة تلك التي تجمع إنسان بجنيه، فعند إخبارها بقراره قامت بتهديده هو الآخر، وقالت له أنه إذا اقترب من الترعة ليلًا، أو اعترض طريقها، ستأخذه هوا ايضًا.
وأضافت “إيمان أشرف” رواية أخرى فتقول أنه كان يوجد سيدة بهيئة كلب ترتدي عباءه سوداء، لها حوافر مثل أرجل الماعز، تذهب كل يوم إلى “الغيط” وهو أرض زراعية بداية من المغرب حتى الفجر، وخلال هذه الوقت تقوم بنداء أسماء لأشخاص توفت بالفعل.
وبمرور الأيام أصبح الناس يخافون الأقتراب من “الغيط” ليلًا بسببها، وإن كان ذاهبًا للمنزل فيذهب باكرًا، أو لا يقترب من “الغيط”، وليطمئن الأهالي الأطفال، أختلقوا قصة أن هذه امرأة قد توفى أبنها في “الغيط”، وأصيبت بالجنون، وأنها تذهب كل يوم للمناداه عليه، ولكن مع ذلك أضافوا تحذيراتهم بعدم الإقتراب من “الغيط” أو الترعة.