تقرير – شهد الشرقاوي
تمر اليوم الذكرى الـ 148 على إنشاء صندوق الدين بمصر، وذلك بعد عجز الخديوي إسماعيل عن سداد أقساط ديون بلاده المستحقة للبنوك الأوروبية، والذي كان له أثر كبير في تدخل العديد من الدول الأجنبية في السياسات الداخلية للبلاد، ومن ثم الاحتلال الإنجليزي المصر، وخلال السطور التالية توضح بعض المعلومات عن هذا الصندوق.
إنشاء صندوق الدين 2 مايو 1876
بلغت ديون مصر عند وفاة سعيد باشا 11 مليون ومائة وستين ألف جنيه مصري، وعندما تولى إسماعيل الحكم واصل سياسة الاقتراض للصرف علي مشاريعه الكبري الأمر اللي أقلق أصحاب الديون من البنوك الأوربية و المرابين علي ديونهم، ولجأوا إلى حكوماتهم للقيام بالإجراءات اللازمة تجاه الحكومة المصرية لسداد الديون.
كانت الروزنامة هيئة تودع فيها أموال الأفراد في مقابل معاشات تقوم الروزنامة بدفعها إليهم، وفي عام 1874 فكرت الحكومة في طريقة جديدة للحصول على أموال الأهالي فأصدرت سندات بلغ مجموع قيمتها الاسمية خمسة مليون جنيه، ويتراوح قيمة السند بين جنيه وخمسة جنيهات وبفائدة.
وعندما عرضت تلك 2 السندات على الأهالى رفضوا الاكتتاب فيها ولكن الحكومة أجبرتهم على ذلك و بلغ قيمة ما اشتروه 3,327,000 جنيه لم يدخل الخزانة منه سوى 1,800,000 جنيه، وقد بلغت الديون حدًا غير معقول أدى في النهاية إلى التدخل الأجنبي وفقدان مصر لاستقلالها المالي.
وفي عام 1876 أصبح استقلال الخديوي إسماعيل مقيدًا بسبب ازدیاد سيطرة أصحاب الديون، فطلب من بريطانيا إيفاد موظف مالي لدراسة حالة الحكومة المالية، قلبت الحكومة البريطانية طلب الخديوي إسماعيل، وأرسلت إليه بعثة مكونة من أربعة من موظفيها برئاسة ستيفن كيف.
وقد أوضح “كيف” أن أسباب سوء الحالة المالية هي فداحة الشروط التي عقدت بها القروض المتوالية وخافت فرنسا أن تستأثر بريطانيا بالنفوذ لدى إسماعيل، ولذلك أرسلت هي أيضا أحد موظفيها وهو المسيو “فلليه” ليعاون الخديوي إسماعيل في تنظيم ماليته.
وعندما شعر إسماعيل بارتباك المالية المصرية، أراد استرضاء الدائنين فاستجاب لمطالب وكلاء الدائنين الفرنسيين وأصدر في الثاني من مايو 1875 مرسوما بإنشاء صندوق الدين على أن يتكون من أربعة أعضاء، عضو إنجليزي وعضو فرنسي وعضو نمساوي وعضو إيطالي.
استجاب إسماعيل لمطالب وكلاء الدائنين الفرنسيين، وأصدر مرسوما في 2 مايو 1876 بإنشاء صندوق الدين، ومهمته، أن يكون خزانة فرعية للخزانة العامة تتولى تسلم المبالغ المخصصة للديون من المصالح المحلية، وخصص له إيراد مديريات الغربية والمنوفية، والبحيرة، وأسيوط، وعوايد الدخولية في القاهرة والإسكندرية وإيراد جمارك الإسكندرية والسويس.
بالإضافة إلى بورسعيد ورشيد ودمياط والعريش، وإيراد السكك الحديدية، ورسوم الدخان وإيراد المصلح (ضريبة الملح)، ومصايد المطرية (دقهلية)، ورسوم الكباري، وعوائد الملاحة في النيل، وإيراد كوبري قصر النيل، وإيراد أطيان الدائرة السنية، أي أنه خصص لسداد الديون معظم موارد الخزانة المصرية.
وكانت مهمة هذا الصندوق هي تسلم المبالغ المخصصة للديون من المصالح المحلية، ولم تر إنجلترا في هذا الصندوق الكفاية، لضمان مصالح الدائنين، فرفضت أن تعين مندوبا عنها في صندوق الدين.
ويعد صندوق الدين أول هيئة رسمية أوروبية انشئت الفرض التدخل الأجنبي في شئون مصر والسيطرة الأوروبية عليها، وغل سلطة الحكومة المصرية في شؤونها المالية والإدارية، وهو أداه اعتداء على استقلال مصر المالي والسياسي، لأنه بمثابة حكومة أجنبية داخل الحكومة، لها سلطة واختصاصات واسعة المدى.
فقد نص المرسوم الصادر بإنشائه على أنه يختص بتسلم النقود المخصصة لوفاء الديون العمومية، وقد تم الغاء صندوق الدين بمصر باتفاقية ثنائية بين الحكومتين البريطانية والمصرية ووقعت في 17 يوليو 1940، وذلك لرغبة الحلفاء في تحسين العلاقات مع القاهرة أثناء الحرب العالمية الثانية.
كان صندوق الدين أول هيئة رسمية أوروبية أنشئت لفرض التدخل الأجنبي في شئون مصر، والسيطرة الأوربية عليها، وغل سلطة الحكومة المصرية في شؤونها المالية والإدارية، وهو أداة اعتداء على استقلال مصر المالي والسياسي، لأنه بمثابة حكومة أجنبية داخل الحكومة، لها سلطة واختصاصات واسعة المدى.
فقد نص المرسوم الصادر بإنشائه على أنه يختص بتسلم النقود المخصصة لوفاء الديون العمومية، ويتولى إدارته مندوبون أجانب، تندبهم الدول الدائنة ويعينهم الخديوي وفقاً لهذا الانتداب، وقضت المادة الثانية بأن الموظفين المنوط بهم تحصيل الإيرادات المتقدم ذكرها عليهم أن يوردوا ما يحصلونه إلي صندوق الدين لا إلي وزارة المالية.
ونصت المادة الثامنة على أن الحكومة ممنوعة من تعديل الضرائب التي خصصت إيراداتها لصندوق الدين تعديلاً يفضي إلي إنقاص الوارد منها، إلا بموافقة أغلبية أعضاء الصندوق، وأن لا تعقد الحكومة أي قرض جديد ولا تصدر إفادات مالية على الخزانة إلا لأسباب تقضي بها حاجة البلاد، وبعد موافقة صندوق الدين.
وعلى أنه قد حفظ للحكومة الحق في أن تقترض بالحساب الجاري مبلغاً لا يزيد عن خمسين مليون فرنك، للقيام بخدمة الخزانة، ونص المرسوم علي أن المحاكم المختلطة تختص بنظر كل الدعاوى التي يرى صندوق الدين إقامتها على الحكومة خدمة لمصلح أصحاب الديون.
ولا نزاع في أنه، من جهة الحق والقانون، لم يكن للدائنين الأجانب أن يطلبوا إنشاء هيئة مالية رسمية داخل الحكومة بهذه السلطة، وبتلك الاختصاصات، ولكن فكرة الطمع والاستعمار، وغلبة القوي علي الضعيف، هي التي أملت مشروع صندوق الدين لاستغلال موارد البلاد، وفرض الوصاية الأوروبية على ماليتها.
مرسوم الدين الثاني الموحد
وفي 7 مايو 1876، أصدر الخديوي مرسوماً ثانياً بتحويل ديون الحكومة ودين الدائرة السنية والديون السائرة إلي دين واحد، سمي “الدين الموحد” قدره 91,000,000 جنيه إنجليزي بفائدة 7%، يسدد في 65 سنة، والغرض من هذا المرسوم توحيد وتأمين الدائنين على استيفاء ديونهم.
وتداعت مظاهر التدخل ففي 11 مايو 1876 م أصدر الخديو مرسوم بإنشاء مجلس أعلي للمالية من عشرة أعضاء نصفهم من الأجانب، و في 18 نوفمبر من سنة 1876م أنشئت المراقبة الثنائية علي المالية المصرية لاثنين انجليزي وفرنساوى هم اللورد كرومر من انجلترا وارنست دي بلينير من فرنسا.
وبالرغم من وجود الرقابة الأجنبية سارت الأمور من سيء إلى أسواء و اتهمت إدارة المراقبة المالية الخديو اسماعيل أنه يقيم العقبات في سبيل انتظام الشئون المالية واقترح الرقيبان تأليف لجنة عليا أوروبية للتحقيق في اسباب العجز في أبواب الإيرادات، وتم انشاء اللجنة في 27 يناير 1878م، وتلا ذلك مرسوم آخر في 30 مارس 1878م بتعميم اختصاص اللجنة ليشمل المالية بكل عناصرها.
وقد ميز المرسوم بين مختلف الديون فيما يتعلق بالفائدة وطريقة الوفاء، فقضى بأن قروض سنوات 1862 و1868 و1870، أي القروض الطويلة الأجل، تبقى قيمتها كما كانت، فتستبدل بسنداتها سندات جديدة من الدين العمومي بحساب المائة مائة، وأن أصحاب قروض سنوات 1864 و1865 و1867.
“وهي القروض قصيرة الأجل” يعطون سندات جديدة بواقع مائة لكل خمسة وتسعين من قيمتها الاسمية، وذلك مقابل إطالة أجل سدادها، أما سندات الدين السائر فتستبدل بها سندات جديدة مع إضافة 25% إلي قيمتها، أي بواقع مائة لكل ثمانين جنيهاً من قيمتها الاسمية، وذلك مقابل إطالة أجل السداد.
وخصص لسداد الدين الموحد وفوائده الموارد المبينة في مرسوم صندوق الدين، وقدر مجموع الإيرادات الحاصلة من الموارد المذكورة بمبلغ 6,475,256 من الجنيهات الإنجليزية سنوياً بما في ذلك المبلغ المقرر علي الدائرة السنية ومقداره 684.411 جنيه وتقرر أيضا وقف جباية المقابلة.
إنشاء مجلس أعلى للمالية
ولكي يطمئن الدائنون على حسن إدارة وزارة المالية، أصدر الخديوي في 11 مايو 1876 مرسوماً ثالثاً بإنشاء مجلس أعلى للمالية، مؤلف من عشرة أعضاء، خمس منهم أجانب وخمسة وطنيين، ومن رئيس يعينه الخديوي، تألف هذا المجلس من ثلاثة أقسام:
القسم الأول: يختص بمراقبة خزائن الحكومة، والقسم الثاني بمراقبة الإيرادات والمصروفات، والقسم الثالث بتحقيق الحسابات، ويبدي المجلس رأيه في ميزانية الحكومة السنوية التي يضعها وزير المالية قبل نهاية كل سنة بثلاثة أشهر، وعين السنيور شالويا scialoja أحد أعضاء مجلس الشيوخ الإيطالي رئيس لهذا المجلس.
الرقابة الثنائية
إن إنشاء صندوق الدين وإنشاء مجلس أعلى مختلط للمالية، وتوحيد الديون، كل هذه الوسائل، على ما في معظمها من افتئات على سلطة الحكومة، لم تقنع الحكومة الإنجليزية ولم ترى فيها الكفاية لضمان مصالح الدائنين، فامتنعت عن تعيين مندوب عنها في صندوق الدين.
وعلى حين رضيت فرنسا باختيار مندوب عنها فيه وهو المسيو دي بلنيير De Bligneres واختارت النمسا فون كريمر von Kremer، وإيطاليا السنيور باراڤلي Baravelli، وجاهرت إنجلترا بأن من الواجب وضع تسوية أخرى لكفالة مصالح الدائنين.
والواقع أن هذا لم يكن غرضها الحقيقي، بل كانت ترمي إلي وضع نظام جديد يمكنها من التدخل الفعلي في إدارة الحكومة المصرية، ويجعل مصر أكثر خضوعاً للدول الأجنبية في سياستها وتصرفاتها الداخلية، لكي تمهد إلي وضع هذا النظام، أوفدت إلي فرنسا أحد أعضاء البرلمان الإنجليزي وهو السير جورج گوشن George Goschen.
كي يتفق وإياها على التعديلات التي يرى لزوم أجرائها في تسوية ديون إسماعيل، وعلى الخطة المشتركة لإكراه الخديوي على قبول هذه التعديلات، وندبت الحكومة الفرنسية من ناحيتها المسيو جوبير M. Joubert، مندوباً عن الدائنين الفرنسيين ليشترك مع المندوب الإنجليزي لعرض مطالب الدائنين على الخديوي.
جاء جوشن ثم جوبير إلي مصر في أكتوبر سنة 1876، وطلب إلي إسماعيل باشا قبول التعديلات التي اتفقا عليها، وأهمها فرض الرقابة الأوروبية على المالية المصرية ووضع السكك الحديدية وميناء الإسكندرية تحت إدارة لجنة مختلطة، وتدخل قنصلا إنجلترا وفرنسا وهما المستر (اللورد) فيفيان Vivian.
والبارون دي ميشيل De Michels بإيعاز من دولتيهما للضغط على الخديوي وإكراهه على الإذعان، فتردد إسماعيل في قبول هذه المطالب الجائرة، وقامت في البلاد حركة استياء من جورها، ولكن الخديوي خشي علي مركزه أن تزعزعه مقاومة الدولتين الإنجليزية والفرنسية، فنزل أخيراً على إرادتهما، وأصدر مرسوم 18 نوفمبر سنة 1876.
تسوية الدين
مرسوم 18 نوفمبر 1876 وتسوية الدين العام إن المرسوم الذي أصدره الخديوي في 18 نوفمبر 1876 قد وضع النظام الذي قررته الدولتان الإنجليزية والفرنسية لتسوية الدين العام، وهو :أولا التعديلات التي رأى جوشن وجوبير ادخلها على مشروع مايو سنة 1876، وثانياً : فرض الرقابة الأجنبية على المالية المصرية.
أما التعديلات التي قررها مرسوم نوفمبر فخلاصتها ما يأتي: إخراج ديون الدائرة السنية وقدرها 8.815.000 جنيه، من الدين الموحد وعقد اتفاق خاص بشأنها (المادة الأولى)، وإخراج قروض سني 1864 و1865 و1876 (القصيرة الأجل) من الدين الموحد واستهلاكها بموجب أحكام العقود الخاصة بكل منها، على أن تسدد بواقع 80 % من إيرادات المقابلة (مادة 4).
ومعنى ذلك أن توفى هذه الديون في مواعيدها بعد أن كان مرسوم 7 مايو يدمجها في الدين الموحد ويطيل سدادها، وكان رصيد هذه الديون نحو 4.293.000 جنيه، تخفيض العلاوة المقررة لأصحاب الدين السائر من خمسة وعشرين إلي عشرة في المائة، وما بقي من الدين المصري جُعل قسمين، قسم سمي (الدين الممتاز) ومقداره 17.000.000 جنيه إنجليزي.
وصدرت به سندات سميت سندات الدين الممتاز، فائدتها 55، وتسدد في خمس وستين سنة، على أن يبدأ بأخذ المبالغ اللازمة لسداد فوائدها من الإيرادات المخصصة للدين العام، وخاصة من إيرادات السكك الحديدية وميناء الإسكندرية، وهذه السندات تعطي بالأفضلية للدين.
لحاملي سندات القروض المعقودة في سني 1862 و1868 و1873 (الطويلة الأجل) (مادة 2) والقسم الباقي سمي (الدين الموحد)، وقد صار تخفيضه إلي 59.000.000 جنيه إنجليزي، وإبقاء الإيرادات المبينة بالمرسوم الصادر في 7 مايو سنة 1876 مخصصة بخدمة هذا الدين، وجعلت فائدته الإجمالية 7%.
وإعادة العمل بقانون المقابلة (مادة 2)، إبقاء صندوق الدين بصفة دائمة لغاية استهلاك الدين بأكمله (مادة 18)، وإتمام لهذه التسوية عقد 12 و13 يوليه سنة 1877 اتفاقان لتسوية ديون الدائرة السنية والدائرة الخاصة.
وقضى مرسوم 18 نوفمبر سنة 1876 بفرض الرقابة الأجنبية على المالية المصرية، وأن يتولاها رقيبان (مراقبان) بوظيفة «مفتشين عموميين»، أحدهما إنجليزي والآخر فرنسي فالأول لمراقبة الإيرادات العامة للحكومة، ويسمي مفتش الإيرادات، والثاني لمراقبة المصروفات، ويسمى مفتش الحسابات والدين العمومي (مادة 7 من المرسوم)، وتختار الحكومتان الإنجليزية والفرنسية الرقيبين المذكورين.
رقيب الإيرادات
ووظيفة رقيب الإيرادات كما تنص المادة 8 هي تحصيل جميع إيرادات الحكومة، وتوريدها للخزائن المخصصة لها، وله السلطة على مأموري التحصيل جميعهم، ما عدا مأموري تحصيل الرسوم القضائية في المحاكم المختلطة وهو الذي يرشحهم لوظائفهم ويوقفهم وله أن من يشاء منهم بعد تصديق (اللجنة المالية) وهي لجنة مؤلفة من وزير المالية ومن الرقيبين الأجنبيين، أي أن الكلمة فيها لهذين العضوين.
رقيب المصروفات
أما رقيب المصروفات (أو مفتش الحسابات والدين العمومي) فوظيفته ملاحظة تنفيذ القوانين واللوائح المتعلقة بالدين العام، وتفتيش حسابات الخزانة، وجميع صناديق الحكومة، وليس لنظار الدواوين (الوزراء) ورؤساء المصالح.
أن يأمروا بصرف الأذون والتحاويل الصادرة منهم إلا بعد التأشير عليها من الرقيب، وله أن يعترض على صرف أي مبلغ يراه قد تجاوز المربوط في الميزانية ويترتب عليه عدم القيان بالمصروفات الأخرى المقررة في الميزانية.
ويقوم رقيب المصروفات بوظيفة مستشار مالي بوزارة المالية (مادة 9) ومن هنا جاء منصب المستشار المالي الذي انفرد به الإنجليز بعد الاحتلال، وللرقيبين الاشتراك في تحضير ميزانية الحكومة السنوية (مادة 10). وكفلت كلمات “الاشتراك” و”الاستشارة” في هذا الصدد السيطرة على مقدرات مصر المالية.
وتقضى المادة (11) بأن جميع الاتفاقات التي يترتب عليها إنفاق مبلغ تزيد قيمته عن واحد من 12 من أصل المربوط السنوي للميزانية، أو تستلزم إنفاق مبلغ على جملة سنوات يجب الإقرار عليها من اللجنة المالية المتقدم ذكرها.
إدارة صندوق الدين
وقضت المادة 6 من مرسوم 18 نوفمبر سنة 1876 المتقدم ذكره أن الإيرادات المخصصة لصندوق الدين بمقتضى مرسوم 7 مايو سنة 1876، تبقي مخصصة له، ويبقى صندوق الدين هيئة دائمة إلي أن يسدد كامل الدين العام (مادة 18)، ولأعضائه أن يتسلموا الإيرادات المخصصة لاستهلاك الدين، ويرسلوها رأساً إلي بنكي إنجلترا وفرنسا، ويكون تعيين أعضاء صندوق الدين بناء على طلب حكوماتهم.
لجنة التحقيق العليا الأوربية
كانت مهمة الرقيبين الأجنبيين مراعاة مصالح الدائنين الأجانب، وتدبير المال اللازم لوفاء الأقساط المطلوبة لهم، ولكن أحوال الحكومة المالية سارت من سيئ إلي أسوأ، وازداد ارتباكها وعجزها، وبالرغم مما أسرف فيه الرقيبان الأجنبيان في ابتزاز أموال الأهالي.
بطرق القهر والعسف، فقد عزيا إلي إسماعيل أنه يقيم العقبات في سبيل انتظام شؤون الحكومة المالية، واتفق الرقيبين وأعضاء صندوق الدين علي المطالبة بتأليف لجنة تحقيق أوربية تفحص شؤون الحكومة المالية.
لا جرم أن هذا الطلب وما ينطوي عليه من اعتداء فادح على استقلال مصر وتدخل في شؤونها الداخلية، يدل على مبلغ استهانة الدائنين بكرامة الحكومة المصرية، ولكن الخديوي إسماعيل اضطر تحت ضغط الحكومات الأوربية إلي الإذعان لهذا الهوان.
وأصدر مرسوماً في 27 يناير سنة 1878 بتأليف لجنة أوربية عرفت بلجنة التحقيق العليا من مهمتها تحقيق العجز في أبواب الإيرادات وأسبابه وأوجه النقص في القوانين واللوائح الخاصة بالضرائب، ووسائل إصلاحها، وتحقيق موارد الميزانية عن سنة 1878، وأذن المرسوم للجنة بالاتصال بجميع المصالح والدواوين وسماع ما ترى لزوما لسماعه لجمع البيانات التي تطلبها.
وكان هذا المرسوم يقصر اختصاص اللجنة على تحقيق موارد الإيراد، دون المنصرف، فلم يرض الدائنون بذلك ن وتدخلت الدولتان الإنجليزية والفرنسية، وأصرتا على أن يتناول اختصاص اللجنة تحقيق حالة الإيراد والمنصرف معاً، فأذعن إسماعيل إلي طلباتها.
واصدر في 30 مارس 1878 مرسوماً آخر بتعميم اختصاص اللجنة، وجعله شاملاً حالة الحكومة المالية بجميع عناصرها، أي أنه يشمل الإيرادات والمصروفات، وفرض الرسوم على وزراء الحكومة وسائر موظفيها إعطاء اللجنة جميع البيانات التي تطلبها منهم وتقديمها إليها رأساً من غير إبطاء. تألفت اللجنة طبقاً لهذا المرسوم من:المسيو فردينان دلسپس (فاتح قناة السويس) رئيساً.
وأيضًا السير تشارلز ريڤرز ولسون، مصطفى رياض باشا، وكيلاً، أعضاء صندوق الدين وهم: م. دى بلينيير، م. باراڤلي، إڤلن بارنگ (لورد كرومر فيما بعد)، ألفرد فون كريمر.
وتم هذا التعيين تنفيذاً لما اقترحته الدولتان الإنجليزية والفرنسية، وعين المسيو جورج دى ليرون ديرول Georges de Liron d’Airoles مفتش المالية الفرنسية سكرتيرا للجنة، والمسيو جورج كولون Georges Coulon (1838-1912)[3] المحامي المستشار لشركة قناة السويس كاتباً لمحاضر جلساتها.
وأخذت اللجنة تتولى مهمتها، وتفحص كل نواحي الإدارة المالية، وتستدعي من تشاء من الموظفين المصريين، وترسل مندوبيها إلي الأقاليم لتحقيق ما ترى فحصه، وظهرت بمظهر الهيئة المسيطرة على الإدارة المصرية.
وكان شريف باشا الوزير المشهور يتولى وقتئذ وزارتي الحقانية والخارجية، ولم يكن راضيا عن تدخل الدول في شئون مصر بهذا الشكل المهين، ولا عن إذعان الخديوي لطلباتها الجائرة، وأرادت اللجنة أن تجبره علي الاعتراف بسلطاتها، فأرسلت إليه تستدعيه أمامها لتسمع أقواله.
فعرض عليها أن تجيب علي ما تسأله كتابة، ولكن اللجنة أصرت علي حضوره، فرفض بإباء أن يطأطئ الرأس أمامها، وامتنع عن المثول بين يديها، ووقعت أزمة بسبب إبائه، وانتهت باستقالته من الوزارة، وكان ريفرز ويلسن صاحب النفوذ الأكبر في اللجنة، وتولى رآستها الفعلية لكثرة تغيب المسيو فردينان دلسبس في باريس.
وبعد أن قطعت اللجنة المرحلة الأولى، من أعمالها وضعت تقريرا مبدئياً، يتضمن شرح الحالة المالية وعيوبها وما تقترحه لإصلاحها، وأحصت في تقريرها الديون غير المسجلة التي لم تدخل ضمن تسوية سنة 1876، وهي قيمة المطلوبات المتأخرة علي الحكومة لتجار ومقاولين وغيرهم ورواتب متأخرة للموظفين وأرباب المعاشات.
فبلغ مقدار ذلك 6.276.000 ج، بخلاف الدين العام، واعتبرته عجزا في ميزانية الحكومة، وأحصت العجز في ميزانية الحكومة سنة 1878 ومقداره 20586.000 جنية، وفي ميزانية 1879 وقداره 381.263 ج فبلغ مجموع العجز 9.243.263 ج اعتبرت أن الخديوي مسئول عن قيمته.
وطلبت لسداد هذا العجز أن يتنازل عن أطيانه وأطيان عائلته، فعرض الخديوي آن يتنازل عن أطيانه المعروفة بأطيان السنية والدائرة الخاصة، وعن 288.862 فدان من أطيان عائلته، ولكن تبين إن أطيان الدائرة السنية والدائرة الخاصة مرهونة في ديونه السابقة.
فطلبت اللجنة أن يخصص لسداد العجز المتقدم ذكره أطيانا أخرى لعائلة الخديوي، فقبل هذا الطلب، ونزل بعض الأمراء والأميرات عن جزء من أملاكهم، رهنت فيما بعد ضمانا لقرض الدومين، وطلبت اللجنة أن يحدث تغييرا في نظام الحكم، وينزل عن سلطته المطلقة، إخلاء لمسئوليته في المستقبل عن العجز في ميزانية الدولة.
بلغت ديون مصر عند عزل اسماعيل 126 مليون و 354 ألف و 360 جنيها، ومکت اسماعيل في ايطاليا شوية سنين قبل ما ينتقل للعيش ب سراي أميرجان المطلة علي البوسفور في استانبول، فانتقل ليها هو و أبناؤه و منهم الأمير أحمد فؤاد اللى سيصبح ملك على مصر بعدها.
خلف إسماعيل ابنه الأكبر توفيق علي مسند الخديوية، وبكده أنقضت فترة مزدهره من تاريخ مصر و ابتدت فترة تانيه كتيبة ابتدت بالديون وأعقبها الاحتلال الإنجليزي وبعدها الحرب العالمية الاولى و ما صاحبها من فرض الحماية البريطانية على مصر تلتها الحرب العالميه الثانيه وما أعقبها من حرب فلسطين.
كانت الرغبة في التخلص من اسماعيل كانت كبيرة عند الأوروبيين فبعد افتتاح قناة السويس للملاحة و هيا الشريان المائي الاستراتيجي اللى يربط الدول الأوربية بمصادر المواد الخام في دول جنوب شرق آسیا و بعد توسعات اسماعيل في شرق افريقيا.
واصطدامه باطماع الأوربيين هناك وكمان مشروعات اسماعيل العملاقة في مصر و اللي تحولها إلى دولة رائدة في المنطقة، كل ده جعل الأوروبيين و علي رأسهم انجلترا يبحثون عن النقرات للتدخل في مصر، وكانت أزمة الديون هيا الثغرة اللى نفذوا منها.
ضغوط وتدخلات أجنبية
في كتابه لهب المصريين قصة مار، الذي ترجمه عز الدين شوكت، يسلط البريطاني جون سيموركي ” الضوء على الضغوط التي مورست على الخديوي إسماعيل كي يسدد الديون المبالغ في تقديرها لرفع الضرائب على الفلاحين وحثه على الإفراط في العلق عندهم، سواء من الفصل البريطاني أو الفرنسي بالقاهرة، مبيناً كيف ساهمت هذه الممارسات في استشراف الموارد المصرية الوفيرة.
وتشابه تلك الأوضاع مع الأزمة الاقتصادية الراهنة والتي یعالی آثارها الشعب المصري حيث بلغ معدل الفقر في مصر خلال العام 2020/2018 نحو 29.7 في المئة، أي ما يقرب من 30 مليون مصري يحسب الجهاز المركزي اللتهيئة العامة والإحصاء ويتدخل صندوق النقد الدولي في سياسات الحكومة المصرية بشروطه حتى يمنح مصر قروضاً جديدة منها.
المرونة في سوق الصرف والاتحاه نحو خفض قيمة الجنيه مقابل الدولار لتضييق الفجوة بين سعره في السوق الرسمي والسوق السوداء، وخفض عجز الموازنة وتعزيز الإيرادات العامة للدولة، وهو ما سيتطلب خفص الإتقان العام وتقليص حصة العدالة الاجتماعية، وخفض قيمة الدعم، وهو ما يدفع الحكومة إلى رفع أسعار.
الكهرباء والمحروقات والمياه، وفرض مزيد من الضرائب کضريبة القيمة المضافة، بجانب طرح خصص من الشركات العامة والأصول الحكومية البيع المستثمرين الأجانب الخبير الاقتصادي، إبراهيم توان يسأل من درج من الحكمة في طلب الفروعي، وما إذا كانت مصر فعلاً في حاجة إليها، خصوصاً بعد حصولها على حزمة مساعدات سحية من الرياض وأبوظبي، مؤكداً أن القرض الجديد لن يكون ميسراً نظراً إلى ضخامة مديونية مصر للصندوق.
وطبقاً لنظام الصندوق، فإن سعر الفائدة على القرض الجديد سيكون في حدود 4 في المناسنويا وسيزيد بمقدار 5 مرات تقريباً عن سعر الفائدة الأساسي على فروض الصندوق، مشيراً إلى أن الصندوق يشترط الإسراع في تنفيذ برنامج الخصخصة.
الذي تلك الحكومة في تنفيذه والالتزام بنظام مدن السعر الصرف ويعتبر نوار أن سياسة الإصلاح الاقتصادي ساهمت في زيادة الفقر وسوء توزيع الدخل واللامساوة الاجتماعية.
ويستى الصندوق إلى صنع القرض الجديد بطابع اجتماعي متوقعاً ألا يتجاوز ذلك تحسين الصورة الشكلية البرامج حال تكافل وكرامة، وأن الحصاد النهائي للقرض الجديد سيكون مزيداً من التداعيات السلبية على الاقتصاد الحقيقي والطبقة الوسطى والفقراء، وإلا يستبعد حدوث الإفلاس.
لأن مصر تسدد أقساط ديونها والفوائد المستحقة في مواعيدها، لكن المشكلة برأيه تتعلق بتسوية مدفوعات السلع الموجودة في الجمارك، والافراج عنها، واتباع سياسة حكيمة لجذب الدولار إلى الداخل وتمويل الواردات والالتزام تدفع مستحقات خدمة الديون، مؤكداً أن هناك موارد دولارية كافية لذلك.
لكنها تستنزف الي تحويل مشروعات غير ضرورية لذلك يجب تعديل أولويات الإنفاق في الميزانية العامة وتقليل، الاقتراض المحلي لضمان استقرار الجهاز المصرفي.
إفلاس والعزل
يصف كتاب مصر المدينه نورد كرومر، على لسان السير قيقين القنصل البريطاني العام الأزمة المالية في أواخر عهد الخديوي إسماعيل، قائلاً إن الخزينة عالية خاوية، والجيش والمستخدمين محرومون من مرتباتهم منذ عدة شهور وحال هؤلاء قد صارت إلى أشد البؤس والفقر والشعب المصري يتدمر من أن يدفع الأصحاب الديون كل عالهم.
وفي 24 تشرين الثاني / نوفمبر 1875، وافق الحديوي إسماعيل على بيع 177642 سهم من أسهم شركة قناة السويس إلى بنك روتشيلد، مقابل أربعة ملايين جنيه استرليني، وبصعوبة شديدة ثم سداد 2.1 مليون استرليني، من أقساط الديون عام 1877.
واضطر الخديوي في تشرين الثاني 1877 إلى وقف صرف مرتبات موظفي الدولة وقوات الجيش الشهور وتوقفت أجهزة الدولة بالكامل، وفي كانون الثاني/ يناير 1878 كانت، مصر على وشك المجاعة حتى تم تعيين لجنة من سلة.
الأوروبيين المراجعة الوضع الاقتصادي والاستيلاء على ممتلكات الخديوي الشخصية وأراضية البالغة نصف مليون فدان وتعيين التين من الوزراء الأوروبيين في الحكومة، وفي 11 كانون الثاني 1879 حدث توار شدید و احتجاجات بسبب الضرائب الجديدة، وفي 7 نيسان / أبريل قام الخديوي بتنحية الوزيرين الأوروبيين لتهدئة الشعب.
في النهاية أصدر السلطان العثماني عبد الحميد الثاني فرمانا في 7 آب / أغسطس 1870، يعزل الخديوي إسماعيل وتنصيب الخديوي توفيق، ليغادر مصر بعدها متجهاً، الإيطالية، وتاركاً لمصر ديونا تقدر بـ 126 مليون و254 ألفاً و100 جنيها.
إلغاء الصندوق الدين
ألغي صندوق الدين بمصر باتفاقية ثنائية بين الحكومتين البريطانية والمصرية، ووُقعت في 17 يوليو 1940،[2] وذلك لرغبة الحلفاء في تحسين العلاقات مع القاهرة أثناء الحرب العالمية الثانية.