ابتهال خيري
ولد سعيد صالح إبراهيم، في 31 يوليو عام 1938 بمحافظة المنوفية، وإلتحق بكلية الآداب، وتخرج فيها عام 1960، وكان أحد أهم ممثلي الجامعة، الذي رأه بالصدفة الفنان حسن يوسف، ليقدمه في مسرح التليفزيون ويراه عبدالمنعم مدبولي، ويقدمه في مسرحية «هاللو شلبي» التي تعتبر شهادة ميلاده الفنية لينطلق بعدها ويقدم أعمالًا في السينما والمسرح.
قدم سعيد صالح للفن تاريخ لا يمكن أن يتكرر، بأعمال متنوعة مابين الإجتماعي والكوميدي والتراجيديا، حيث قدم ما يقرب من 500 فيلم، وأكثر من 300 مسرحية، وكان دومًا ما يقول عن نفسه “السينما المصرية أنتجت 1500 فيلم أنا نصيبي منهم الثلث”، إلا أن الأبرز في مشواره السينمائى هو ثنائيته الناجحة مع صديق عمره النجم عادل إمام، اذ قدما سويًا عدد كبير من الأفلام منها “رجب فوق صفيح ساخن”، “أنا اللي قتلت الحنش”، “سلام يا صاحبى”، “الهلفوت”، “على باب الوزير”، “المشبوه”، “الأزواج الشياطين”، ومسلسل “أحلام الفتى الطائر”، وآخر أعمالهما معا فيلم “زهايمر”.
• لمحات من حياة الفنان سعيد صالح
لم يشهد الوسط الفني فنانًا مشاغبًا مشاكسًا كسعيد صالح، الذي كان أول فنان يدخل السجن بسبب الفن.
وكانت المرة الأولى خلال مسرحية «لعبة اسمها الفلوس» فقد أوقف عرض المسرحية عندما وجد أحد المتفرجين نائمًا وقال له «انت معندكش سرير في بيتكو ولا المدام مبتخلكش تنام» وضجت الصالة بالضحك الهستيري، ليفاجأ بعد ذلك سعيد صالح، بالقاء القبض عليه بتهمة الخروج على الآداب العامة في مسرحيته وخلع بنطاله، وبالفعل يسحب للسجن ويقضي القاضي بحبسه شهرًا، ومن يكون هذا القاضي هو من سخر منه سعيد صالح، وهو نائم أمام جماهيره فظن سعيد صالح أنه ينتقم منه و كان ظنًا في غير محله، كما أثبتت التحقيقات فبالفعل تلفظ سعيد صالح، مع سعيد طرابيك، بألفاظ مخالفة للذوق العام حيث قاما الاثنين بخلع البنطلون علي المسرح مما آثار إشمئزاز الجميع وبالقدر كان من ضمن الحضور قاضي التحقيقات كمتفرج عادي مع أسرته.
وذهب عادل إمام، للقاضي في منزله ومعه ثلاث محامين إلا أن القاضي أوقفهم علي باب منزله، وطردهم شر طردة، حتى كاد أن يستعين بالشرطة بحجة إقتحامهم المنزل لتصبح القضية، قضية رأي عام ويتنحى القاضي ويأتي قاضي آخر ليحكم عليه بالبراءة و تغريمه 200 جنيهًا.
كانت المرة الثانية، بسبب مونولوج له بإحدى المسرحيات، قال فيه «أمي إتجوزت ثلاثة، واحد وكلنا المش والتاني علمنا الغش والتالت لا بيهش ولا بينش» وقامت ثورة كبيرة ضده يرأسها وزير الإعلام صفوت الشريف، الذي سحب ترخيص المسرحية بل وتم القبض عليه بتهمة إهانة مصر ورؤساء مصر الثلاثة، وبالفعل وضع في الحبس الاحتياطي لمدة 45 يوم، ولولا تدخل الدكتور أسامة الباز الذي تربطه علاقة صداقة به وبعادل إمام، ولولا أن سعيد صالح تعهد له بالإعتذار وأنه لا يقصد إهانة مصر ورؤساء مصر لكان سعيد صالح في خبر كان.
وصدر بعد ذلك عفو رئاسي من الرئيس محمد حسني مبارك، للفنان سعيد صالح، ليخرج من الحبس بعد قضائه 45 يومًا في الحبس الاحتياطي.
وفي عام 1985 قدم صالح مسرحية “كعبلون” التي استخدمها صالح للاعتراض على سجنه والسخرية عن طريق الارتجال، حيث قدم اغنيه ممنوع من السفر، وتجاوب الجمهور معها.
وتقول كلمات الأغنية:
ممنوع من السفر
منوع من الغنا
ممنوع من الكلام
ممنوع من الاشتياق
ممنوع من الاستياء
ممنوع من الابتسام
وكل يوم في حبِّك تزيد الممنوعات
وكل يوم بحبك أكتر من اللي فات
كما دخل سعيد صالح السجن متهمًا بتعاطي المخدرات ولكن الغريب في الأمر اعتزازه بهذه التجربة عقب خروجه منها بعد أن قضى عامًا في سجن الحضرة بالإسكندرية، فقد أكد أنها قضية لفقت له نتيجة مواقفه المعارضة التي يقدمها في المسرح، وقال صالح: اختفيت تماما عن السينما والمسرح والفن ككل عام 1996 لسبب بسيط وهو أنني كنت في السجن.. وأكون سعيدًا جدًا حينما أتعرض للسجن في سبيل الدفاع عن موقف أو قضية أؤمن تماما بها.. الكل يعرف أن مواقفي السياسية، ورفضي لكثير من الأوضاع الموجودة هي ما دفعهم لمحاولة إسكاتي بأي وسيلة.
وأضاف سعيد صالح: تعاطي المخدرات هو التهمة التي علقوا عليها أسباب قيامهم بالقبض علي أثناء جلوسي مع مجموعة من أصدقائي بمساكن مصطفى كامل بالإسكندرية.. والحمد لله أن كل أصدقائي والمقربين مني لم يصدقوا الاتهام لكوني كنت أسعى للإقلاع عن التدخين.. فهل يعقل أن يحاول مدمن ترك التدخين؟
وقال سعيد في تصريحات تلفزيونية سابقة، فترة حبسه في السجن لمدة عام غيرت حياتي بالكامل، فقد تعرفت على شخصية عم يوسف الذي نبهني لأمور لم انتبه لها من قبل، منها قراءة وحفظ قرآن والصلاة والعزم على التوبة، وتحسنت صحتي في السجن، ربما لأنني كنت بعيدًا عن العمل وضغوطه والمسؤولية بشكل عام، وخرجت بعدها من السجن، وبداخلي شئ يدفعني للعمل الصالح، وقررت بعدها السفر للقيام بعمرة، إلا اننى رزقت بأداء فريضة الحج ومن بعدها ذهبت للحج 14 عاما متتالية، ولم أتوقف إلا فى عام واحد بسبب إنفلونزا الخنازير، قبل أن أعود مرة أخرى.
رحل سعيد صالح عن عالمنا في 1 أغسطس 2014، بعد معاناة من المرض والأصدقاء والدنيا، فلم يزوره أحد في مستشفى المعادي العسكري حتى صديق عمره عادل إمام، ولم يشهد جنازته أيضًا لتواجده في الساحل الشمالي حين تساءلت الصحافة «أين عادل إمام» أجاب أنه في الساحل الشمالي ولم يعرف بجنازته إلا قبلها بساعة مما تعسر عليه الأمر حيث دفن بالمنوفية مسقط رأسه واكتفى بالاتصال بزوجته وإبنته الوحيدة هند، ورحل صالح ولكن وجدانه مازال حاضرًا في وجدان محبيه فهو واحد من اثرى مدرسة الكوميديا في الوطن العربي.